د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

الخليج العربي وآسيا الوسطى

استمع إلى المقالة

حرص قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ودول آسيا الوسطى الخمس، على تأكيد أهمية تعزيز الحوار الاستراتيجي والسياسي بينهما، وتعزيز الشراكة نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون الاقتصادي والاستثماري والحوار السياسي والأمني، وتعزيز التواصل، وأهمية تطوير طرق النقل المتصلة بين المنطقتين، وبناء شبكات لوجيستية وتجارية قوية، وتطوير أنظمة فعالة تسهم في تبادل المنتجات الصناعية والزراعية والخدمية واللوجيستيات والتعاون في مجالات العلم والتكنولوجيا والبحث العلمي والاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الخضراء.

إن العالم يواجه مشكلة الأمن الغذائي المتزايدة، ويرجع ذلك في الغالب إلى تحدي الوضع الجيوسياسي والجيواقتصادي، فضلاً عن تغير المناخ. وفي هذا السياق، ضرورة التعاون ودعم جهود المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي واستخدام إمكاناتها لضمان وصول الإمدادات الغذائية إلى الدول المحتاجة.

لقد ازدادت أهميـة الشراكة الاستراتيجية بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي فـي ظـل التطـورات الجيوسياسية والاقتصادية، في وقت أصبحت فيه دول مجلس التعاون الخليجي قطباً استراتيجياً مهماً في النظام العالمي، فضلاً عن نموها الاقتصادي غير المسبوق وعمليات التنوع الاقتصادي والتحول الاجتماعي.

وتعد دول آسيا الوسطى منطقة جغرافية مغلقة تقع في قلب قارة آسيا أو قلب العالم، وهي تضم كلاً من أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، وهي لا تطل على أيٍّ من البحار المفتوحة لكن موقعها الجغرافي يجعلها ذات أهمية كبرى، وتمتد من غرب الصين شرقاً حتى بحر قزوين وإيران غرباً، بعدد سكان يصل إلى 73 مليون نسمة، وناتج محلي إجمالي يصل إلى نحو 368 مليار دولار للدول الخمس، ولدى هذه الدول احتياطيات ضخمة من المعادن والنفط والغاز الطبيعي والفحم، والمياه، وتقدَّر احتياطيات الغاز في دول آسيا الوسطى والقوقاز بأربعة وثلاثين في المائة من الإجمالي الدولي، ما يؤهلها للقيام بدور مؤثر في أمن الطاقة العالمي.

من الجدير بالإشارة، أنه وفقا إلى بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي، وبيانات الحسابات القومية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لعام 2022، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول آسيا الوسطى 368.044 مليار دولار، إذ بلغ حجم الناتج المحلي 220.62 مليار دولار لكازاخستان، وأوزبكستان 80.3 مليار، وتركمانستان 45.61 مليار، وقيرغزستان 10.93 مليار، وطاجيكستان 10.49 مليار دولار، مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج العربي البالغ 2.49 تريليون دولار، وبهذا يشكل هذا التعاون تجمعا مهما يبلغ حجمه 2.86 تريليون دولار، وتأتي القمة التي استضافتها السعودية تتويجا للعلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية المتنامية.

ويحظى الجانب الاقتصادي بأهمية كبرى في سلم أولويات العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، ويأتي في مقدمة القطاعات الاقتصادية المهمة، قطاع النفط والغاز الذي تنتج منه دول آسيا الوسطى كميات ضخمة، خصوصاً كازاخستان وتركمانستان على الرغم من عدم عضويتهما في منظمة الدول المصدِّرة للبترول (أوبك)، وبالتالي يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من التعاون في هذين المجالين، كونها تعد من أهم دول العالم في إنتاج النفط والغاز، وتمتلك خبرات كبيرة في هذا القطاع.

وفي القطاع الزراعي، تعد كازاخستان من أهم خمس دول في العالم في إنتاج القمح، إلى جانب تميزها مع كل من أوزبكستان وطاجيكسـتان وقرغيزستان فـي إنتـاج الخضـراوات والفواكـه، كمـا تتميـز أوزبكسـتان بإنتـاج القطـن طويـل التيلة، إلـى جانـب ذلـك تمتلـك دول آسـيا الوسـطى ثروات هائلة مـن الغابات والثروات الخشبية، ومـن هنا تأتي أهمية هذا القطاع المهم والحيوي، خصوصاً مـع بـروز أزمـة القمـح فـي ظـل الأزمة الروسـية-الأوكرانية.

وتأتي القمة امتداداً لهذه الروابط، لتأسيس انطلاقة واعدة تستند إلى ما تملكه من إرث تاريخي، وإمكانات وموارد بشرية ونمو اقتصادي، والعمل معاً لفتح آفاق جديدة؛ للاستفادة من الفرص المتاحة للتعاون المشترك في جميع المجالات، وضرورة تكثيف الجهود المشتركة؛ لمواجهة كل ما يؤثر في أمن الطاقة وسلاسل الإمدادات الغذائية العالمية.

وقد اعتمدت القمة خطة العمل المشتركة، بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى للمدة (2023 - 2027)، بما في ذلك الحوار السياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، وتعزيز التواصل بين الشعوب، وإقامة شراكات فعالة بين قطاع الأعمال، وإعلان دول آسيا الوسطى دعم ترشيح السعودية لاستضافة معرض إكسبو 2030 في الرياض، إذ إنه يعكس متانة العلاقة، والتطلع نحو مستقبل أفضل.

وفي الختام، إن ما يجمع دول الخليج ودول آسيا الوسطى من مصالح واهتمامات مشتركة يتطلب مزيداً من التواصل والتنسيق الجماعي في مختلف المحافل الدولية الاقتصادية والسياسية، دعماً لتحقيق التقدم الاقتصادي وإحلال الأمن والاستقرار والسلام.