جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

غيرة ترمب من العرب في الأجواء

في جلسة غير رسمية، وبحضور مسؤولة في الطيران الأميركي «أميركان إيرلاينز»، خلال زيارتي الأخيرة إلى نيويورك مطلع الشهر الحالي، تكلمت المسؤولة عن توسع شركتها ومشاريعها للتحليق أكثر في الأجواء العربية، وتكلمت بحسرة عن أسطول شركات الطيران العربية الناجحة (دون ذكر أسماء). وأقول «حسرة» لأن طريقة كلامها كانت في طياتها غيرة من نجاح تلك الشركات التي لمحت إلى أنها مدعومة من قبل حكوماتها. ولا أدري ما إذا كان من الممكن القول إن الصدفة أو الأجندة المدروسة لعبت دورها، بعدما صدر قرار منع الأجهزة الإلكترونية على متن الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة، المنطلقة من مطارات دون سواها.
هل فهمتم؟
المطارات المعنية بالقانون الجديد هي: الإمارات، وقطر، وتركيا! أنا ضد التفكير بمنطق نظرية المؤامرة، وأكره التحجج بها، ولكن هل يمكن أن يشكل الكومبيوتر المحمول وجهاز «كيندل» والـ«آيباد» خطراً قومياً وجوياً وأمنياً على أميركا وسلامتها «فقط» من المطارات العربية المذكورة دون سواها؟! بمعنى آخر: عدم تشكيل الخطر نفسه إذا كانت الرحلة منطلقة من مطار غربي آمن مثلاً؟!
وأين المنطق في استثناء شركات الطيران الأميركية المنطلقة من تلك المطارات العربية من تطبيق هذا القانون عليها؟
الموضوع اليوم مليء بعلامات التعجب والاستفهام، والسبب هو أن هذا القانون الاعتباطي والغبي حير حتى خبراء الملاحة الجوية، لأن الغباء يسود أجواءه، فأين المنطق في أن تخزين الأجهزة الإلكترونية في الشحن تجعل السفر آمناً، في حين أنه إذا وجدت في المقصورة العلوية فقد تعرض الطائرة لعملية إرهابية محتملة؟!
أنا لا أقلل من شأن سلامة الملاحة الجوية، ولا أقول إن الأشرار ليسوا موجودين، ولا أشكك في عمل أجهزة المخابرات الدولية الدؤوب للوقوف أمامها بالمرصاد، ولكن هل يعقل الاستخفاف بعقول الناس إلى هذا الحد لتنتقل الإسلاموفوبيا إلى الأجهزة الإلكترونية أيضًا (تابع هاشتاغ: # كومبيوتر إسلامي).
المسألة ليست مسألة أمن ولا سلامة، إنما هي ببساطة غيرة حقيقية من قبل ترمب «رجل الأعمال» من نجاح خطوط جوية بحجم طيران الإمارات والاتحاد والخطوط القطرية التي أصبحت مراكز رئيسية للسفر حول العالم، ونقطة انطلاق رحلات مباشرة إلى كل أصقاع العالم. وهذا الأمر يؤثر سلباً على عمل شركات الطيران الأميركية التي لا تستطيع أن تنافس أسطول الإمارات وغيرها.
ببساطة، لا أظن أن هذا القانون جاء بهدف الأمن، إنما بهدف تعزيز الاقتصاد في أميركا، على حساب الشرق الأوسط، ومحاولة بائسة من ترمب لتحويل مسار الركاب المتوجهين إلى أميركا عن طريق مطارات غربية.
فهل من العدل أن يعود رجل الأعمال المسافر على متن إحدى الشركات المتأثرة بالقانون إلى الورقة والقلم؟ وهل يعقل وضع معلومات قد تهدد أمن وسلامة بلاد أو شركات بأكملها في متناول الجميع، من خلال تخزينها في حقائب الشحن؟!
السفر رائع، ولكنه بالفعل أصبح مزعجاً، وأسوأ ما فيه هو التفتيش الذي يصل في بعض الأحيان إلى قلة الأدب في بعض المطارات، خصوصاً عندما يطلب من المسافر خلع حذائه وسترته وساعته وحزامه... ويا ويلك إذا بقيت صفارة ماكينة التفتيش تلعلع، فقد ينتهي بك المطاف في المايوه، على مرأى من المسافرين الآخرين.
تحليلي مبني على أساس المنطق، وليس أساس المؤامرة، ولست الوحيدة التي تظن أن القانون الجديد لم تلده الظروف الأمنية، ولكنه وليد غيرة اقتصادية بحتة من شركات الطيران العربية. ففي تقرير نشرته «واشنطن بوست»، اليوم، نوقش القانون بالطريقة نفسها التي طرحتها، أمس، في موضوع نشر على صفحات «الشرق الأوسط».
القانون لم يطبق بعد، والأيام القليلة المقبلة كفيلة بأن تبرهن حسن نية ترمب أو غيرته من العرب في الأجواء.