محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

لماذا مهرجانات السينما العربية؟

يتردد أن خمسة مهرجانات سينمائية جديدة ستقام هذه السنة في عدد من الدول العربية، وستضاف إلى نحو 40 مهرجانا قائما في مختلف ربوع العالم العربي ممتدة من المحيط إلى الخليج.
كما هو الحال الآن، فإن هذا الجزء من العالم فيه من المهرجانات أكثر بكثير من قدرة السينمائيين العرب على المواكبة، وأكثر أيضًا من مستوى اهتمام الإعلام العربي بها. معظمها يمر كتظاهرات وبعضها كمهرجانات صغيرة جدًا تقع في مدن سياحية، وهناك ما يقع في مدن ليست سياحية ولا هي مراكز تجارية كبيرة. المهرجان فيها يذوب مثل لوح ثلج تحت شمس ساطعة. يبدأ وينتهي بجمهور محدود. الباقي لا يكترث.
نعم، في كل العالم مهرجانات صغيرة. لكن الصغير منها يجد طريقه إلى الإعلام المنظم فتقرأ مقالات عن مهرجانات مثل ثيسالونيكي للسينما التسجيلية في اليونان وسكوسدال في ولاية أريزونا الأميركية و«سينيمارت» في هولندا وتالين في إستونيا وموريليا في المكسيك وسواها. وهي منظمة على صغرها، لكنها ليست من الصغر بحيث هي مجرد تظاهرات تعرض أفلامها على أسطوانات مقرصنة كما الحال في بعض المهرجانات العربية وتحاول أن تقف على صناديق خشبية لتبدو عالية.
الواقع أن عندنا أشخاصا يريدون تحقيق الشهرة عبر تأسيس وإدارة مهرجانات جديدة. لا فرق في النوع ولا في النوعية، ولا حتى إذا ما كانت الإمكانيات المادية تسمح بإقامة هذا المهرجان ودفع فواتيره. ينظر هؤلاء حولهم ويجدون أن هناك مهرجانات كثيرة تقام، فيسألون أنفسهم ويجيبونها: ولم لا أفعل أنا الشيء ذاته.
سمعت هذا الأسبوع عن مهرجانين جديدين تقررا وما زالا من دون ميزانية. والميزانية لن تكون كافية وإلا لتم التحضير للمهرجانين منذ زمن بعيد. أحدهما سيقام في مدينة جميلة إنما بعيدة عن العاصمة وبما أنها جميلة فهي سياحية وبما أنها سياحية فإن تكلفة دعوة الضيوف إليها ستكون مرتفعة. ما العمل؟
يأتي الحل دائمًا على حساب النوعية. المهرجانات الكبيرة في العالم العربي تتمتع غالبًا بميزانيات تكفل لها الحد الأدنى (على الأقل) من شروط الحجم الذي تحتله. بعضها مما لا يتمتع بما يستحق من ميزانية، عليه أن يزن كل فعل يقوم به ليدخر ما يكفي لتغطية الثغور. وإذا أضفنا أن المهرجانات الأولى في المنطقة العربية، مثل دبي ومراكش والقاهرة وقرطاج، تمر دوما بمخاض حاسم لأجل ضمان تألقها، فإن السؤال يطرح نفسه مرّة ثانية: لماذا؟
ترى، ما هو الهدف التالي لإقامة مهرجان ما؟ الأول هو أن يجلب أفلامًا ونجومًا ومخرجين يعرضهم جميعًا على جمهور محلي متعطش وضمن ذلك الهدف لعب دور فاعل في تنمية ذوق المشاهد ونجاح الفيلم العربي إذا أمكن. أما الثاني، فلا بد له أن يرتبط بالمستقبل؟ ما الذي سيتوخاه المهرجان لنفسه بعد خمس سنوات وكيف سيحققه؟ كيف سيستطيع تبوء الصدارة والتغلب على المنافسات لا المحلية، فهي تكاد لا تذكر، بل العالمية.
في هذه الأيام لا توجد فرص ثانية. المهرجان الذي يولد صغيرًا سيبقى صغيرًا إذا ما استمر. والكبير قد يكبر أو قد يصغر بدوره. وكل ما نرجوه من أصحاب غالبية المهرجانات المقامة أو التي ستقام إعادة التفكير. لا بد أن هناك لحظة يواجه فيها المرء الحقيقة فإما أن تقنعه فيمتثل لها أو يبررها فتنزوي هاربة.