حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

«استيراد المجاهدين» مشكلة وليس حلاً

لا بد أن نواجه الحقيقة المرة التي تقول بأن وجود العنصر الأجنبي (متطرفه ومعتدله) في المعركة مع نظام بشار الأسد الدموي الباطش المسنود بالتوغل الإيراني الطائفي، قد جعل العناصر «غير السورية» جزءًا من المشكلة بدل أن تكون جزءًا من الحل. الوجود الأجنبي مهما كان حسن النية ونبل الغاية هو أحد العناصر المهمة المسؤولة عن انكفاء التأييد العربي والإسلامي، وتراخي التعاطف العالمي، وارتباك التحالف الإقليمي، وبالتالي حدوث الانكسارات على عدد من الجبهات في العمق السوري وخسارة عدد من المناطق الحيوية.
ولو عقدنا مقارنة بين المأساة السورية والمأساة البوسنية التي تلقت دعمًا دوليا وعربيًا وإسلاميًا لوجدنا أن أحد عناصر الحسم في الانتصار البوسني في المعارك الحربية والسياسية هو أن العنصر البوسني كان اللون الطاغي في الجيش البوسني الذي حارب النظام الصربي بقيادة ميلوسيفيتش ببسالة. نعم كان العنصر «الأجنبي» العربي والإسلامي موجودًا في المعركة مع البوسنيين لكنه كان وجودًا معدودًا محدودًا، وكان منضويًا بطريقة أو بأخرى في الجيش البوسني، ولم تكن له فصائل مستقلة مؤثرة، وجرى التخلص منه بسرعة بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
ولو قلبنا صفحات التاريخ القريب للشعوب التي كانت تمارس نضالاً مشروعًا ضد المحتل، كما كان الوضع في أفغانستان والشيشان، أو كانت تقاوم أنظمة ديكتاتورية دموية مثل نظام القذافي ونظام بشار، لوجدنا الفيصل في المساندة العربية والإسلامية والتعاطف الدولي مقترنًا بالعنصر «الأجنبي» وجودًا وعدمًا، والمؤسف أن انخراط العنصر الأجنبي في هذه الأزمات لم ينتج، في الغالب الأعم، بدعوة «استغاثية» من الداخل، منذ «الجهاد الأفغاني» ضد الاحتلال الشيوعي السوفياتي حتى ثورة الشعب السوري ضد نظامه الطائفي الدموي، بل بالعكس أمسى العنصر الأجنبي ثقلاً على المقاومة المحلية وعامل طرد للدعم لا جاذبًا له وورقة بيد الخصم يشهرها في كل المحافل الدولية والإقليمية، وهذا ما صنعته وتصنعه الآن الآلة الإعلامية والدبلوماسية في النظامين الإيراني والسوري وتجد لها آذانا صاغية في دوائر صنع القرار الأممية وحتى عند الشعوب العالمية.
ولهذا ليس من العدل إلقاء تهم «الخذلان» العربي والإسلامي على الشعوب والمنظمات وحتى الدول، لأن وجود «العنصر الأجنبي»، كما أسلفت في مقدمة المقال، يربك المشهد ويعقد الخيوط ويورث غبشًا في الرؤية، فإذا كانت بعض فصائل المقاومة حتى اللحظة وعلى الرغم من وحدة الهدف، وهو إسقاط نظام بشار، فإنها تتصارع فيما بينها صراعًا دمويًا مريرًا، بل وصل عدد فصائلها لرقم مفجع لا أتصور أنه مسبوق في صراعات الشعوب مع المحتلين أو الأنظمة القمعية الدموية، حيث تجاوز العدد المائة فصيل، فإذا كان هذا حالها وهي تنازل عدوًا واحدًا، فكيف سيكون حالها وعددها وهي تتنازع فيما بينها على السلطة؟
إن إثارة هذا الموضوع وفي هذه المرحلة بالذات نوع من الشفافية المطلوبة التي تتطلب تجاوز العاطفة إلى العقلانية والواقعية في تشخيص المشكلة لتحقيق غايات مهمة منها محاولة حل هذه المشكلة أو على الأقل الحد منها، وثانيًا الحد من تدفق العنصر الأجنبي مهما كانت المبررات، وثالثًا حماية للأجيال من الإصابة بعدوى التشدد وفكر الإرهاب التي مع الأسف الشديد تجد في هذه البيئات حاضنة لها، وهذا ما جرى على الثرى الأفغاني والشيشاني ويجري الآن على الثرى الليبي والسوري، مع التسليم بوجود فصائل معتدلة تاه صوتها في ضجيج الفصائل الإرهابية وممارساتها الشائنة، وتاه معها التعاطف مع الأزمة السورية.