حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

انتخابات أوروبية عندنا!

ما الدولة التالية التي ستحل عليها «لعنة» الشعبوية السياسية أو «بركانها»، وذلك بحسب آراء المعترضين أو المؤيدين لها؟ العالم يوجه أنظاره وبتركيز كبير على القارة الأوروبية وتبعات ما سيحصل فيها في ظل الانتخابات المختلفة المقبلة. فبعد أن «نفدت» النمسا من اختيار مرشح يميني متطرف لمنصب رئاستها في اللحظة الأخيرة، وذلك بحسب خسارته في الانتخابات بصعوبة، تتوجه الأنظار إلى فرنسا وانتخابات الرئاسة فيها، وتحديدًا سيكون التركيز على المرشحة اليمينية ماري لوبن، التي لا تتحفظ أبدًا في آرائها ومواقفها المناهضة تمامًا للمهاجرين وللمسلمين، وتطالب بطردهم والتضييق عليهم، وكذلك هي ضد الاتحاد الأوروبي، وتطالب صراحة بالانسحاب من عضويته.
لكن هناك دولة أخرى عادة لا تكون الانتخابات فيها مثار اهتمام ولا لها دواع للمتابعة، والدولة المعنية هنا هي هولندا. مبدئيًا؛ كانت استطلاعات الرأي تشير بوضوح شديد جدًا إلى تقدم حزب «اتحاد الحرية» الذي يتزعمه غيرت فيلدرز، وهو حزب معادٍ للمسلمين ومعادٍ للاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يحقق انتصارًا كبيًرا يمكنه من الفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، ولكن الفائز بهذا الأمر طبقًا للقانون الانتخابي الهولندي لا يعني أن لديه الحق في تشكيل الحكومة، وبالتالي سيضطر إلى تشكيل حكومة ائتلاف، وهي مسألة يتجنبها كثير من الأحزاب التقليدية المنافسة التي لا ترغب في وضع يدها بيد حزب فاشي وعنصري متطرف. الأهم أن فوز غيرت فيلدرز، وهو الأمر الذي بات متوقعًا، سيكون صداه لافتًا ومؤثرًا وعميقًا ومهمًا، لأنه سيفتح شهية الآخرين المؤيدين للتوجه نفسه، خصوصًا في دولة مثل فرنسا (وقد تليها بلجيكا مثلاً التي دومًا ما تتأثر بالحراك السياسي في هولندا ولديها تحديات كبيرة مع الأقليات المسلمة فيها).
أحجار الدومينو في أوروبا مرشحة لأن تتواصل في السقوط. أصوات الانفصاليين عن أوروبا في اليونان وإيطاليا وأوروبا الشرقية لم تصمت حتى الآن، وهم بحاجة لخبر جديد وكبير حتى يلهب الحماس فيهم مجددًا ويعطيهم الأمل مرة أخرى، في ظل الركود الاقتصادي الكبير الذي تعاني منه القارة الأوروبية والذي انعكس على نسب النمو الهزيلة وعلى معدلات البطالة المرتفعة بشكل مقلق، إضافة إلى ازدياد معدلات اللاجئين والمهاجرين إلى القارة بأعداد مهولة، وهي المسألة التي روّجت لها الأحزاب اليمينية المتطرفة على أنها من وسائل تهديد الأمن والسلم الاجتماعي وتهدد الأمان وتجعل القادمين منافسين على فرص توظيف هي قليلة بالأصل وأنهم جاءوا بعادات «مختلفة» ولا يمكنهم الانصهار في مجتمعاتنا ويصبحوا «مثلنا»، وبالتالي لا بد من دعم الأحزاب التي «تدافع عنا»... فالأرضية جاهزة وخصبة جدًا للحصول على الأصوات المتطرفة، والأحزاب تعد العدة سياسيًا واجتماعيًا لاستغلال هذه اللحظة التاريخية المواتية التي قد لا تتكرر عما قريب مجددًا.
ما هي انعكاسات ذلك على منطقة الشرق الأوسط؟ أوروبا ستظل ترى أن بيئة الشرق الأوسط بيئة «طاردة» للسلام وللتعايش وللوسطية وللرخاء الاقتصادي، كيف لا؛ وهي تعاني من ذلك الأمر ومن نتائجه بشكل مباشر وبالتالي قد تفرض عقوبات على دول المنطقة التي خرجت منها مجموعات المهاجرين (كما حصل من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب) وتزداد تقارير حقوق الإنسان عن هذه الدول بما لها وما عليها؟
صحيح أن الانتخابات الأوروبية المقبلة شأن أوروبي بحت، ولكن نتائجها ستنعكس علينا هنا.