د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

القبلية وصعوبة التحول الديمقراطي

أفرزت الحملة الانتخابية التي تجري في الكويت سلبيات كثيرة أهمها الفزعة القبلية لمرشحي بعض القبائل.. حيث بدأ بعض المرشحين من أبناء القبائل بترديد عبارة «تكفون» يا أبناء قبيلتي وأهلي وعزوتي.. وبعدها يلقي عقاله وغترته طلبًا لأصوت أبناء القبيلة.
كما جرت انتخابات فرعية بين أبناء القبائل لاختيار من يمثلهم في الانتخابات العامة وهذا الإجراء غير قانوني.. لأنه يحرم أبناء القبائل ذوي الكفاءات من ترشيح أنفسهم.. كما أن هذه الانتخابات لا تمثل أبناء المنطقة كلها.
السؤال.. لماذا عادت المفاهيم القبلية والطائفية والعائلية في الانتخابات الكويتية رغم مرور نصف قرن من الممارسة الديمقراطية التي من المفترض أن تذوّب وتصهر كل الولاءات الجانبية، ويتركز الولاء للدولة ومن يمثل مصالح الوطن من المرشحين.
هنالك أسباب كثيرة أدت إلى عودة الروح القبلية والطائفية، ومن أهم الأسباب الفهم الخاطئ للبعض من النخبة العربية الحاكمة وقطاع كبير من المواطنين العرب بأنه يمكن تحقيق الاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي والعدل الاجتماعي بعيدًا عن الممارسة الديمقراطية والتحول الديمقراطي الذي يعني الانتقال من الفردية المطلقة في إدارة الحكم مهما كانت طبيعته عسكرية أو قبلية عشائرية أو دينية إلى المشاركة الشعبية والتعددية الفكرية التي تمس مصالح عامة الناس وتطلعاتهم نحو تحقيق التنمية بمعناها الواسع.
لماذا لم يحدث التحول الديمقراطي المطلوب في الكويت نحو الأفضل؟ قد يعود السبب إلى فقدان وعدم توفر تيارات فكرية ديمقراطية صادقة تدفع باتجاه الممارسة الحقيقية للديمقراطية، فالتيارات السياسية التي سادت في الكويت مثل القوميين العرب والبعث وتيارات الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي والتيارات الوطنية، كلها تيارات عربية إقصائية، فالقوميون العرب لا يرحبون بأي شخص لا يؤمن بالوحدة العربية وكذلك تيار الإسلام السياسي؛ حيث تحارب هذه التيارات بعضها بعضًا وترفض قبول من لا ينتمي لها.. الحكومة الكويتية أو أنصارها من الشعب الموالي لها لم يؤسسوا حركة فكرية تدعو للمبادئ الوطنية الموجودة في الدستور والتي عمادها دولة مدنية عمادها الدستور والقانون والعدالة والمساواة وغير ذلك. واضح أن فقدان حركة وطنية جامعة جعل الولاءات الجانبية تبرز بسرعة، خصوصًا بعد تمزق التيار القومي في سوريا والعراق وبروز الطائفية البغيضة.
جزأت الحكومة الدوائر الانتخابية إلى دوائر أصغر، وجاء هذا التقسيم ليخدم القبائل والطوائف.. وبذلك أصبح لدينا دوائر انتخابية مقسمة محصورة لبعض القبائل أو الطوائف، فالدوائر الانتخابية الأولى مثلاً في منطقة الشرق أغلبية السكان فيها شيعة وعوازم.. فمن الطبيعي أن يكون نواب هذه المنطقة من الشيعة أو العوازم أو بعض العائلات الكبيرة التي قد تخترق هذا الاحتكار.
ضعف مؤسسات المجتمع المدني في الكويت، ومنع قيام الأحزاب السياسية فيها من المفترض أن يشجع قيام مؤسسات مجتمع مدني مستقلة وقد سمحت الحكومة للأفراد بالانتماء إلى مؤسسات مجتمع مدني كبديل عن الأحزاب السياسية.. لذلك تأسست جمعية الإصلاح الاجتماعي كمؤسسة خيرية إسلامية في الأربعينات من القرن الماضي، وهذه الجمعية هي الممثل الحقيقي لحركة الإخوان المسلمين في الكويت.. وفي السبعينات من القرن الماضي سمحت الحكومة بإنشاء جمعية التراث الكويتية.. هذه الجمعية اليوم هي الناطق الرسمي للحركة السلفية في الكويت، أما شيعة الكويت فقد بادروا بإنشاء الجمعية الثقافية الكويتية في الستينات ومنها انبعثت عدة أحزاب شيعية.. هذه المؤسسات المدنية تعمل تحت لوائها عدة حركات سياسية معروفة.. فجمعية الخريجين الكويتية التي تأسست في الستينات من القرن الماضي تمثل التيار التقدمي من خريجي الجامعات، فمنهم اليساريون الماركسيون ومنهم الليبراليون ومنهم حركة القوميين العرب - تجدر الإشارة هنا بأن المستوى الثقافي أو الفكري سواء أكان يساريًا أو قوميًا أو ليبراليًا أو إسلاميًا كان ولا يزال محصورًا في إطار النخبة المتعلمة والمثقفة التي اتخذت طابعًا مؤسسيًا بعد اكتشاف النفط وانتشار التعليم في المنطقة.
أحد الأسباب الرئيسية لفشل ترسيخ الديمقراطية في الكويت هو أن معظم الحركات السياسية الموجودة في الكويت لا تؤمن بالديمقراطية أصلاً وترفع شعارات دون المضمون، فحركة القوميين العرب رفعت شعار الوحدة والحرية والثأر لفلسطين، أما الجماعات الإسلامية فشعاراتهم كلها تدعو لأسلمة القوانين.. مما يعني إلغاء الديمقراطية.. عمومًا هذه الحركات السياسية الموجودة على الساحة الكويتية لا تؤمن بالديمقراطية ولا التعددية الفكرية والدينية لكن الجميع يرفع شعار الديمقراطية والمحافظة على مكتسباتها دون أن يمارس العمل الديمقراطي فعليًا.. لذلك لا غرابة من اتجاه البعض للعودة للقبلية أو الطائفية لأن نواب القبائل يحققون للناخب كل متطلباته مع البيروقراطية الحكومية.
وأخيرًا نرى بأن إصلاح الديمقراطية في الكويت يحتاج لعمل ومجهود كل القوى السياسية التي تؤمن فعليًا بالديمقراطية.