د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

قراءة في خطاب البغدادي

خطاب زعيم «داعش» بعد زمن من التخبط في تفسير ضال ومنحرف لـ«الطاغوت»، كان حجر الزاوية في التسبب بمقتل آلاف المسلمين بحجة أنهم «مرتدون»، وبحجة «الردة» بمفهوم «داعش»، إلا أن خطاب البغدادي كان عبارة عن استغاثة ظاهرة بأهل السنة والجماعة الذين سبق أن أهدر دماءهم بتهمة «الردة» و«عبادة الطاغوت» ووصفهم بـ«المرتدين» واستباح حرمة دمائهم، نجده اليوم في خطاب مأزوم ونداء أشبه بالمستغيث، ولكن المفارقة أنه بدل أن يوجه أنصاره للانتقام من الصفويين الذين تمثل إيران عاصمتهم ومحج قبلتهم، نجده يحرض أنصاره على المملكة العربية السعودية قبلة ومحج أهل السنة والجماعة، ويطالب أنصاره بالعبث وتصدير الفوضى والرعب والإرهاب والفزع، وما سماه سوء العذاب، إليها وإلى تركيا.
فعن أي عدو يتحدث هذا البغدادي، وخطابه يعاني من فصام عقلي؟! تارة يناشد أهل السنة الذين أذاقهم سوء العذاب من ذبح وقطع رؤوس إلى حرق وإغراق وصعق بالكهرباء وتهشيم وسحل بالدبابات، إلى تفجير أجسادهم بقاذفات الدبابات وصواريخ «آر بي جي» بتهمة «الردة»، وتارة يطالب أنصاره بالتفجير والاغتيال في بلاد أهل السنة.
خطاب البغدادي المسموع من مخبئه خارج عن شريعة الله في تأصيله وتأويله، فشريعة الله واضحة ولا حكم فيها إلا بنص، فالتشريع هو وحي إلهي ثابت لا يتغير ولا يتبع الهوى: «ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون» ولكن الآراء والاجتهادات البشرية ليست تشريعًا إلهيًا، وليست ثابتة حتى يحل ويستبيح البعض ما حرمه الله بنص: «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق»، وتمسك البعض برأيه واجتهاده الذي هو في عمومه بغير علم غالبه الخطأ، ونازعته حمية وعصبية وأحيانًا الهوى، فغيبت العدل عنه، فتسبب في غياب العدل بغياب شرع الله وأحل اجتهاده ورأيه محله، وأهدر دم مَن خالف رأيه الشخصي غير المعصوم عن الخطأ أصلاً، ونسي البغدادي وجماعته «إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم»، وأن العدل صفة لله وحده، وليست للبغدادي أو جماعته الضالة.
إن هذا التنظيم الإرهابي الذي أساء كثيرا للإسلام ينبغي أن تتكاتف الأمم كلها لدحره وتدميره وتخليص العالم من شره وفتنته وأفعاله الإجرامية التي فاقت كل تصور.