روس دوثات
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

أخطار هيلاري كلينتون

أوحت الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون بشكل كبير وبارع أن التصويت لها أمام دونالد ترامب لن يكون تصويتا للحزب الديمقراطي أمام نظيره الجمهوري فحسب، بل تصويت للأمان ضد الخطر، وللكفاءة الموثوقة ضد التهور والغطرسة، وللاستقرار النفسي في البيت الأبيض ضد المشاعر المنفلتة.
كان هذا هو المعنى الذي تبنته هيلاري في مناظراتها وفي الحملة الانتخابية بصفة عامة، وهو ما جعلها تنتصر وبشكل منطقي. فأخطار رئاسة ترامب مميزة شأن المرشح ذاته، والتصويت لصالح ترامب سيخلق قائمة طويلة من الاحتمالات السيئة - مثل تدهور التحالف الغربي، وظهور دائرة من الراديكالية المحلية، وانهيار مفاجئ للاقتصاد، وحدوث أزمة مدنية عسكرية - واحتمالية حدوث كل ذلك في عهده سيكون أكبر من غيره من المرشحين.
في الواقع، هذا ما اعترف به ترامب وأنصاره، فشعار حملته يقول: «لقد جربنا العاقل، فدعونا نجرب المجنون». فوعد أن يكون ثورا في محل لبيع الخزف هو جزء من جاذبيته الديماغوجية، فقد قارن نصير فصيح لترامب التصويت له باقتحام كابينة طائرة مختطفة، بعدما أصبح احتمال سقوطها مرجحا.
لكن تقبل فكرة مرشح الطائرة المنكوبة لا يعني تجاهل أخطار المرشح المنافس. فأخطار رئاسة هيلاري كلينتون لن تكون مجهولة، مقارنة بالفشاستية المجهولة للمرشح الآخر، لأن نمط تفكير كلينتون هو ما نعيشه في سياستنا اليوم؛ هي نفسها الأخطار المألوفة للتفكير الجمعي للنخبة.. هي أخطار التهور والراديكالية التي لا تدرك ما تفعله هي نفسها، لأنها لا تقتنع بأنه لو أن هناك فكرة ما تمثل الاتجاه السائد والمألوف بين العامة، فلا يصح أن نعتبرها حماقة.
فتقريبا كل أزمة حلت بالغرب خلال الخمسة عشر عاما الماضية كان لها جذورها في هذا النوع من الحماقات، فالحرب العراقية مثلا التي يفضل الليبراليون أن يتذكرونها باعتبارها صراعا تسبب فيه المتآمرون من المحافظين الجدد، هي في الحقيقة حدثت بسبب تدخل وإجماع من الحزبين بدعم كبير من الرئيس جورج بوش، وقبول شريحة كبيرة من اليسار والوسط، منهم توني بلير، وأكثر من نصف أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين.
وعلى المنوال نفسه، فإن الأزمة المالية، سواء كان سببها رفع القيود أو سياسات الإسكان غير المبالية (أو كلاهما)، فإن السياسات التي ساعدت في تضخم وانفجار الفقاعة قد لاقت قبول كلا الجناحين في المؤسسة السياسية.
وعلى المنوال نفسه مع اليورو أيضا، فقد كانت العملة الأوروبية الموحدة فكرة مزعجة، لم يجرؤ «الموالون لإنجلترا من ضيقي الأفق» على معارضتها إلا عندما كشف الركود الاقتصادي أن تلك العملة لم تكن سوى حماقة اقتصادية.
وبالمنوال نفسه، ومع إقدام أنجيلا ميركل على فتح الحدود أمام المهاجرين، كانت هي البطلة المتوجة، حتى وإن تسببت في حالة الاستقطاب والعنف التي عمت القارة برمتها.
هذا السجل من حماقات النخبة، الذي لم يشمل حالات أقل أهمية مثل حربنا العظيمة في ليبيا، هو سبب جوهري يجعل الولايات المتحدة تقدم على تجربة مرشح مجنون في الانتخابات الجارية، وأيضا هو السبب نفسه في أن هناك كثيرا من الأحزاب «الترامبية» المنتعشة على أرض أوروبا.
بمقدور الإنسان أن ينظر إلى ترامب نفسه، ليرى كثيرا من الأخطار ومزيدا من الكوارث الكبرى، ومزيدا من الأخطار المزاجية والفساد الأخلاقي كبديل مقبول للأخطاء الفادحة التي نعيشها في الوقت الراهن. وفي الوقت نفسه علينا النظر إلى هيلاري لنرى سيدة ساعد سجلها في ظهور أمثال ترامب في المقام الأول.
في الحقيقة، ما يميز كلينتون هو أن قلة قليلة من النماذج الشبيهة بها هي من سايرت رأي إجماع النخبة في قضايا الحكم الجوهرية. فمثلا كانت هيلاري مع غزو العراق عندما كان الجميع مع الغزو، وكانت ضد إرسال الجيش للعراق عندما كان الجميع ضده.
كانت هيلاري حمائمية مع روسيا عندما سخر الإعلام من ميت رومني بأنه صقر مع روسيا، والآن باتت هيلاري صقر روسيا لتساير الجميع في واشنطن عندما تطلب الأمر بعض التهدئة.
* خدمة «نيويورك تايمز»