جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

سياحة «صيد البوكيمون»

في أقل من 24 ساعة نسي العالم مجزرة نيس، و«نصف الانقلاب» في تركيا، وتعيين رئيسة وزراء جديدة في بريطانيا، ووصول بوريس جونسون إلى منصب وزير خارجية.. بمجرد أن أطل علينا مخلوق خيالي ورقمي يدعى «بوكيمون غو».
البعض سيفهم عما أتكلم، والبعض الآخر سمع ولم يفهم، أما الشريحة الصغيرة فهي لم تسمع، وعندما أعلمناها بغزو المخلوق العجيب ظنت أننا نتحدث الصينية.
الحق مع من لم يفهم، لأن العقل والمنطق لا يتقبلان أن يصبح مخلوق عجيب الشكل آتٍ من عالم الخيال من أبرز عناوين الأخبار.
القصة وما فيها هي أن لعبة صيد «البوكيمون غو»، أصبحت حديث العالم شرقًا وغربًا وعززت السياحة، ولكن كيف؟ عززت السياحة لأن صيادي البوكيمون لم يكتفوا بموقع البوكيمون القريب منهم جغرافيًا، فتوجه الكثير منهم إلى أماكن أخرى تعلن عن وجود مخلوق البوكيمون لديها، فعلى سبيل المثال، ازداد عدد الزوار من خارج لندن إلى وسطها بسبب صيد البوكيمون؛ فبعد أن كانت المحلات والمقاهي تجذب الزبائن من خلال وضع لافتة بالخارج كتب عليها: «لدينا واي فاي بالمجان»، اليوم غيرت اللافتة واستبدلت بها أخرى تقول «تفضل.. لدينا بوكيمون».
قصص البوكيمون منذ أن طرحت اللعبة الأسبوع الماضي تتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار، من دون أي مبالغة، حوادث لا تحصى ولا تعد، من أكثرها غرابة هو وضع فتاة أميركية إعلانًا رسميًا تعرض فيه خدمة تدريب البوكيمون لقاء مبلغ 20 دولارًا للساعة الواحدة، والإعلان هذا ليس نكتة بل حقيقة، فالفتاة تقول إنها لطالما كانت مهووسة بالبوكيمون منذ عام 1997، واليوم مع إطلاق لعبة الصيد تجد أنها أفضل من يمكن أن يدرب البوكيمون، لأن هناك نوعًا من البوكيمون الذي يترتب على الصياد أن يقوم بتدريبه بعد صيده بكاميرا هاتفه الجوال.
ومن القصص الغريبة الأخرى دخول شاب إلى غرفة التوليد في أحد المستشفيات أثناء عملية ولادة امرأة، وراح يطارد البوكيمون الذي كان يختبئ وراء السرير.
هنا في بريطانيا اضطر أحد المستشفيات لوضع تحذير على موقعه الإلكتروني يمنع صيادي البوكيمون من الدخول إلى قسم الطوارئ لتصيد البوكيمون، لأنه يوجد بكثرة فيه. وفي العاصمة لندن استدعى أحد الأشخاص الشرطة بعدما رأى أناسًا غرباء يأتون يوميًا إلى حديقته لتصيد البوكيمون. أما في أميركا فقد اكتشفت سيدة خيانة زوجها الذي تبين أنه كان يتصيد بوكيمون في منزل صديقته السابقة، كما تم اكتشاف جثة في إحدى البحيرات الأميركية بعدما حاولت مراهقة تصيد بوكيمون مائي، وفي إحدى حدائق بوسطن شعر شاب كان يصطاد البوكيمون بأن أحدهم يلاحقه، فظن أنه يحاول انتشال البوكيمون منه، فقام ذلك الشخص بطعنه في كتفه ولاذ بالفرار، وبدلاً من أن يتوجه الشاب الضحية إلى المستشفى لكي يعالج الجرح أكمل رحلة الصيد وهو ينزف.
في نهاية المطاف هذه لعبة، وليست هناك مشكلة في طرح ألعاب جديدة، ولكن السؤال الجدي: إلى أي درجة جعلنا العالم الافتراضي والخيالي ننصاع وراءه لكي ننسى ما يدور حولنا؟ وماذا يعني هذا التحول في المجتمعات الغربية والشرقية؟ هل هذا يعني أننا أصبحنا فارغين نركض حرفيًا وراء مخلوقات عجيبة وغريبة وخيالية؟
في كل فترة نتعلق فيها بموضة أو صرعة جديدة، فهل تتذكرون مزرعة «فيسبوك»؟ والمقهى الخيالي؟
المخيف هو أن «فيسبوك» يطلعك في نهاية العام بعدد الساعات التي أمضيتها في تصفح الصور والأخبار على حسابك ويعلمك بدرجة إدمانك، والمؤسف أنني وكل من هم من حولي مدمنون!