خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

لقاء فريد على الخير

عقدت كنيسة مار بهنام للطائفة السريانية الأنطاكية الكاثوليكية للمسيحيين العراقيين المغتربين في المملكة المتحدة، صلاة وقداسًا على أرواح ضحايا الكرادة وسواهم من ضحايا إرهاب «داعش» في العراق وكل مكان. ترأس الصلاة الأسقف نزار سمعان، الذي جاء من العراق لإحياء هذه المهمة الخاصة في لندن، والتحدث إلى أبناء طائفته المسيحية.
وكانت مناسبة مواتية استغلها السفير العراقي لدى المملكة المتحدة، الدكتور صالح بن حسن علي التميمي ليمثل الحكومة العراقية في هذه المناسبة النادرة، حيث التقت فيه السلطة الدينية المسيحية بالسلطة الدنيوية للحكومة. فألقى ارتجالاً كلمة بليغة عن الأوضاع في العراق، وعزم الحكومة العراقية على حماية الطوائف كافة، ودحر المفرقين والإرهابيين حيثما كانوا. وأشار إلى ثمرات هذه الجهود في الانتصارات الكاسحة التي سجلها الجيش العراقي مؤخرًا في دحر الدواعش المجرمين، ولا سيما في معركة الفلوجة.
وكانت في مذبحة الكرادة، وهو حي يكثر فيه أبناء الطائفة المسيحية، بحيث يمثل كل أطياف ألوان الشعب العراقي من سنة وشيعة، ومن مسيحيين سريان وكلدان، أن اختلطت دماؤهم، دماء الجميع، في بركة من الدم يمثل وحدة الشعب العراقي وتضامنه في الحياة وفي الممات.
وفي هذا القداس، الذي حضره وشارك فيه الكثير من المسلمين وممثلي السلك العراقي الدبلوماسي، تجسمت هذه الوحدة وهذه الروح التضامنية التي ميزت تاريخ العراق طوال تاريخه الحضاري، في الأناشيد والتراتيل التي أنشدتها جوقة كنيسة مار بهنام بأصوات جميلة وألحان موسيقية بارعة ومؤثرة. وليس لي غير أن أحيي قائد الفرقة الموسيقية في إجادته هذه. وسأركب سيارتي من ومبلدن إلى همرسمث لمجرد سماع هذه الأصوات الهادئة البديعة كلما عرفت بها.
وطبعا كان إكليل القداس على أرواح الضحايا الكلمة البليغة التي ألقاها الأسقف نزار سمعان ارتجالاً، وأصاب بها صميم الموضوع، ولا سيما في قوله: «إن الأمر بقتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وسواهم من الأبرياء لا يمكن أن يكون أمرًا صادرًا من أي رب أو إله، كما يزمع الدواعش في ادعاءاتهم». وراح الأسقف وبقية الخطباء والوعاظ في القداس يستشهدون ويذكروننا بكل ما قاله السيد المسيح، عليه السلام، في محبة السلام والتعايش. وتفضل الأسقف بتخصيص خط للاتصال به مباشرة؛ لاستشارته فيما يخص الطائفة، أفرادًا أم جماعة.
واختتمت المناسبة الدينية بلقاء أخوي بين الحاضرين، حيث تصدره السفير العراقي والمسؤولون الدبلوماسيون في حوارات ودية، وعرض لمشكلات الحاضرين من أبناء الجالية العراقية في المملكة المتحدة. وهل لمشكلاتهم من نهاية! بل قل هل لمشكلات العراق من نهاية؟ ولكنه كان كله لقاءً فريدًا من نوعه، عراقيون يتبادلون همومهم ومشكلاتهم تحت سقف كنيسة في لندن.