إميل أمين
كاتب مصري
TT

الإرهاب الأعمى.. يلفظ أنفاسه

يبدو أن الإرهاب الأعمى آخذ في لفظ أنفاسه الأخيرة، ذلك أن ضرباته العشوائية في الأسابيع القليلة الماضية تؤكد على أن نهايته قد اقتربت، ولذلك يصول ويجول محاولا إحداث أكبر الخسائر المادية والمعنوية في المنطقة العربية، قبل أن تتهاوى بيوته العنكبوتية.
ولعل ما جرى بالأمس في المدينة المنورة والقطيف يدلل على صدقية ما نقول به، ذلك أن التغير النوعي في الأماكن المستهدفة يعطي إشارات جذرية على قرب الانهيار، فمن كان يعتقد أن المقدسات الإسلامية العالية والغالية على قلوب ملايين المسلمين في بقاع وأصقاع الأرض كافة، تضحى ميدانا لعمليات انتحارية، ولولا لطف الله ويقظة رجال الأمن السعودي، لكانت الكارثة أشد وأعمق.
عدة نقاط تثيرها عمليات الأمس في المملكة، التي تأتي بعد ساعات قليلة من إرهاب أعمى في العراق، ومخططات تم إحباطها في الكويت ومصر، وربما في مقدمتها أن ما يجري ليس أمرا عشوائيا، بل خطة مدروسة بعناية فائقة تستهدف فتنة كبيرة بين صفوف المسلمين، في أقدس بقاعهم وأكثر أيامهم روحانية، أي في شهر رمضان، وعلى قرابة ساعات من عيد الفطر، بمعنى أن المخطط الأكبر له هدف واضح لا يغيب عن الأعين، يتصل بإفساد الحياة الاجتماعية والروحية للمسلمين في العالم العربي برمته.
أمر آخر تلفت إليه ظاهرة الانتحاريين، وهو يقظة رجال الأمن السعوديين الذين ضيقوا الخناق على الجماعات الضالة، ولم يعد أمامهم مسرب سوى الانتحار وسط الجموع. ورغم الخطورة البادية في المشهد، فإن ذلك تحطم على صخرة يقظة الأمن، وإن تكرر في أكثر من مكان داخل المملكة، أو يمكن أن يتكرر على ذلك النحو البغيض.
علمتنا قراءات العمليات الإرهابية عبر السنوات الماضية أن الوصول إلى حدّ الانتحار وتفخيخ الذات، إنما يعبر عن مرحلة الانكسار الكبرى التي تصل إليها الجماعات الإرهابية، ولا ينكر أحد أن الهزائم المتلاحقة التي طالتها في العراق أخيرا، لا سيما بعد سقوط الفلوجة، ربما كانت في حاجة إلى بروباغندا إعلامية فاشلة، تحاول من خلالها أن تبث رسالة إلى العالم أنها حاضرة وقوية ونافذة، لكن كيدهم يرتد إلى نحورهم.
لقد أصاب الأمير فيصل بن سليمان عندما حلل المشهد بأنه يتجاوز مسألة القتل إلى محاولة زعزعة استقرار المملكة العربية السعودية. وإن كان للمرء أن يغوص أكثر في تحليل المشهد، فسينتج له حتما خلاصات حول هوية الإرهابيين، الذين هم بحال من الأحوال لا يمكن إلا أن يكونوا ضاليين، ومن فصيل متجذر في إجرامه ودمويته.
هل ما جرى في المملكة ضرب من ضروب المؤامرة عليها لأسباب واضحة كالشمس في ضحاها؟
ينكر علينا فصيل من المفكرين والمحللين مسألة فكر المؤامرة، ونحن معهم في أنه، وإن لم يكن التاريخ برمته مؤامرة، فإن المؤامرة موجودة في التاريخ، وفي ظل حالة السيولة في المشهد العالمي، وبسبب أخطاء جسيمة ارتكبتها قوى سياسية عالمية في الأعوام الأخيرة، بات العالم أقل أمانا، بعد أن أخرج الجني من القمقم، ويبدو أن الذين صنعوه، ثم أخرجوه، غير قادرين على إرجاعه مرة ثانية، هذا إن أحسنا النيات.
لكن التاريخ ليس فردوسا للأطهار، والمملكة الآن على عتبات عالم جديد وفكر جديد، والذين يستخدمون سلاح الإرهاب في الداخل السعودي يريدون ولا شك وأد الصحوة السعودية الجديدة في مهدها، والأعداء في الإقليم كثر، والكارهون لهذه النهضة حول العالم بسبب تقاطع المصالح معروفون وغير خافين عن الأعين.
ما يجري من محاولات فاشلة لإرهاب السعوديين، إنما يبغي تفكيك النسيج السعودي، أو إحداث هزات ارتدادية داخله تؤثر على تماسك الشعب وتلاحمه مع قياداته، ودعمه لخطة الأمل الجديدة التي تسعى لنقل المملكة إلى ضفاف مشروع حضاري للمائة عام المقبلة، مشروع يتصل بتطوير مداخيل اقتصادية جديدة، واستنهاض همة شباب الأمة على طريق الرشد والفلاح، والإنتاج والمنافسة العالمية. وهذه لا يريدها الكائدون.
ما يجري في المملكة أمر جلل وخطير. إنها نفس الأيادي السوداء التي تحاول ضرب كل مشروع نهضوي عربي أو إسلامي، منذ أكثر من مائتي عام حتى الساعة.
ولكن الآن هذا هو وقت الجهود التعبوية، بل التوعوية إن جاز التعبير. تعبوية لجهة إعلاء صوت الأمة الواحدة الرافضة لأراجيف الإرهاب وعمليات الإرهابيين، وتوعوية لجهة الأجيال الشابة التي يحاول البعض أن يغرر بها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
لم تعد مواجهة الإرهاب عملية يسيرة. فمن أسف شديد، استطاعت العقول الشريرة تسخير التكنولوجيا الحديثة وميكانيزمات العولمة في طرق الشر والخراب والدمار، ولهذا ربما كان هذا هو وقت التنادي لوضع خطة عربية – عربية شاملة جامعة مانعة، للوقوف سدا في مواجهة الخطر الأسود المقبل.
قتل الأنفس المعصومة جريمة لا تغتفر، ولهذا تبقى مسألة استنهاض الهمم لمواجهة الإرهاب فرض عين على كل مواطن شريف، يعرف قدر وقيمة وقامة بلاده حول العالم.
حمى الله المملكة وأهاليها من كل الشرور.