سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

جراحة سعودية في لبنان

لا يوجد توصيف للحالة اللبنانية المأساوية الراهنة - التي أفرزت قرارًا سعوديًا متوقعًا بمراجعة العلاقة مع لبنان - أبلغ من يأس وزير العدل اللبناني أشرف ريفي من العدل في بلاده، واضطراره للجوء للقضاء الدولي لملاحقة الوزير السابق ميشال سماحة، الذي يتسلح بمواقف حزب الله باعتبار الحزب فوق الدولة اللبنانية. تخيلوا وزير العدل ذاته ضحية لمؤامرات الحزب ولا يستطيع مواجهتها، فما الحال والساحة اللبنانية أضحت محتلة من قبل قوى محلية تعمل لصالح الأجندة الإيرانية، فهل نستغرب بعد هذا كله قيام السعودية بعملية جراحية في الجسم الرسمي للدولة اللبنانية، أملاً في إنقاذها من تفشي العدوى الإيرانية؟!
كل العرب يعرفون جيدًا أن السعودية دعمت لبنان دائمًا دون تخصيص فريق بعينه؛ دعمت الشيعة كما السنة، المسيحيين كما المسلمين، والحال ينطبق على باقي الطوائف والديانات، حتى المناطق الشيعية التي دمرتها إسرائيل إبان حرب 2006. أعيد بناؤها بالأموال السعودية رغم الموقف السياسي العدائي لحزب الله، فالسعودية وكما أكدت في بيانها «تقف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكافة طوائفه، وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته، وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني»، لكن ما الحيلة ما دام حسن نصر الله وحزبه يريدان تحويل لبنان الدولة ليكون منصة لمهاجمة المملكة والعرب لصالح إيران؟ ما العمل ووزارة الخارجية التي يسيطر عليها الحزب عبر حليفه ميشال عون، اتخذت مواقف أبعدت لبنان عن الإجماع العربي وأضحى في الأحضان الإيرانية؟!
بقرارها هذا رمت الرياض بالكرة في ملعب اللبنانيين أنفسهم، فإذا رأى اللبنانيون مصالحهم في الانتقال للضفة العربية والتخلص من الهيمنة الإيرانية، فالأمر ليس بصعب على اللبنانيين. أما، وبكل صراحة، إن رأوا أن مستقبل بلادهم ومصلحتها مع البقاء في الضفة الفارسية بكل تعقيداتها وكوارثها، فهذا أيضًا حقهم ولا ينازعهم فيه أحد. كذلك فإن الحكومة اللبنانية الحالية عليها أن تحدد موقفها جيدًا، أما سياسة مسك العصا من الوسط التي يمارسها بعض الوزراء، ومن خلفهم عدد من السياسيين اللبنانيين الذين انكشفت حقيقة مواقفهم وقدرتهم على الزعامة، فلم تعد تجدي بعد أن بلغت الأمور حدًا لا يطاق وإيران تحتل مقعدًا في الجامعة العربية عبر البوابة اللبنانية.
لا يمكن لأي دولة في العالم أن تقبل مد يدها بينما من يفترض أنه صديقها يطعنها باليد الأخرى، لا تقبل أي دولة في العالم أن تستغل المساعدات التي تقدمها في مؤامرات تستهدف أمنها واستقرارها. الرياض صبرت طويلاً ولم يعد أمامها إلا القيام بفعل يعيد لبنان إلى حضنه العربي.
لم ينجح نظام الأسد في اغتيال رفيق الحريري فقط، بل نجح في اغتيال الزعامة الفعلية التي وضعت حدًا للارتهان للقرار السوري والإيراني. الحقيقة أنه لم يستطع أحد ملء ربع الفراغ الذي تركه الحريري (الأب)، فكان لا بد من العملية الجراحية السعودية لإنقاذ لبنان وردم الهوة القائمة بينه وبين محيطه العربي. ومهما كانت العملية قاسية وصادمة بل ونتائجها موجعة، فإنها أفضل ألف مرة من استمرار الحال بأن تكون عاصمة الدولة اللبنانية طهران وليس بيروت!