نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مسكنات حتى إشعار آخر

العالم معني باحتواء الحالة الفلسطينية عبر مسكنات تقليدية فقدت مفعولها لكثرة استخدامها، ونظرًا لتواصل أعمال العنف في الضفة الغربية وامتدادها إلى أكثر مناطق إسرائيل تحصينًا - تل أبيب والقدس وحتى النقب - ونظرًا كذلك لاعتراف الحكومة الإسرائيلية باستحالة إنهاء هذه الظاهرة بفعل عدم تحديد الجهات السياسية والتنظيمية المسؤولة عنها، إضافة إلى الوضع الهش بين إسرائيل وقطاع غزة وتنامي الشكاوى الإسرائيلية من استئناف العمل في الإنفاق، فقد أضحى الوضع الفلسطيني - الإسرائيلي مرشحًا وبقوة إلى انفجارات لا يعرف مداها، مما يفتح في الشرق الأوسط جرحًا قديمًا جديدًا لا يملك أي طرف دولي، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، فعل شيء يذكر لتطويقه وحصر تفاعلاته.
وفي حال غياب أي تحرك سياسي أو تفاوضي في المجال الفلسطيني - الإسرائيلي، فإن التسكين وبوسائله التقليدية هو العلاج الممكن، وربما الفعّال حتى إشعار آخر.
الدعم الياباني المالي الإضافي للسلطة الوطنية، رغم تواضعه، فإنه يندرج في سياق التسكين، والتصريحات التي تصدر عن الأميركيين حول اهتمامهم بالمسار الفلسطيني - الإسرائيلي بعد استنكاف مباشر وفظّ عن القيام بأي جهد فعّال تجاه هذا المسار، يصب أيضًا في ذات الاتجاه، إلا أن الفرنسيين الذين يحاولون ملء الفراغ الناجم عن الاستنكاف الأميركي، فقد ميّزوا «مسكنهم» عن المسكنات الأخرى بموقف سياسي يشبه المبادرة، مهددين بأنه في حال استفحال الجمود، وعدم انعقاد مؤتمر دولي للسلام فإنهم سيعترفون بالدولة الفلسطينية رسميًا، ومع احتفاء الفلسطينيين بهذا التهديد، إلا أنه لو تم وعلى الأغلب ألا يتم، فإن ذلك لا يعني خطوة تؤثر فعليًا في الجمود المتمادي الذي ترعاه الحكومة الإسرائيلية والسلبية الأميركية.
موضوعيًا وواقعيًا فلا فرصة لغير المسكنات للعمل على هذا المسار المبعد عن دائرة الاهتمام الفعلي من جانب كل اللاعبين التقليديين الإقليميين والدوليين في الشرق الأوسط، وفي هذه الحالة تقرأ إسرائيل الوضع بطريقتها الخاصة واضعة سياسات من شأنها الإفادة بالحد الأقصى لخلق وتثبيت مصالحها في أي حل محتمل يمكن أن يتداول إقليميًا ودوليًا إذا ما حسم الوضع في الإقليم بتسويات وترتيبات متفق عليها بين اللاعبين المباشرين في ساحات الحرب المحتدمة الآن، ولا يخفي الإسرائيليون ما يفعلون على الأرض في هذا الاتجاه، بل ويتحدثون بصوت مرتفع عن خيارات يفاضلون بينها لإغلاق الملف الفلسطيني، إما من جانب واحد وإما بإذعان من الفلسطينيين المعزولين عن حلفاء فاعلين في الإقليم والعالم، وأمام هذا الوضع الذي يكابد فيه الفلسطينيون آلام مواجهة غير متكافئة مع خصم لا حدود لأطماعه في حاضرهم ومستقبلهم، فهم مضطرون لخوض معركتهم الصعبة التي يسعى الإسرائيليون لجعلها مستحيلة، بلحمهم الحي وبمبادرات انتحارية يدركون جيدًا أنها لن تفضي إلا إلى إبقاء القضية الفلسطينية قيد التداول ومن أجل ألا يغطيها غبار الإهمال والنسيان.
في السياسة هنالك مؤثر يتفوق على الحسابات، ويبدو أنه يلازم القضية الفلسطينية منذ نشوئها، وهو سوء الحظ، فما كانت هذه القضية تصل إلى حدود التكرس كقضية أولى في الإقليم والعالم حتى تنشأ أوضاع تعيد ترتيب الأولويات فتهوي القضية الأولى من القمة إلى القاع، وحالة كهذه لا تنفع معها سوى المسكنات حتى إشعار آخر، أو إلى أن يتفق العالم على حل ما.