د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

قراءة لمستقبل الأمة في عام 2016

لست من الذين يقرأون في الفنجان ولا من المؤمنين بهم، ولكن أرى أن عام 2016، سوف يكون عام إنجازات للأمة العربية قد لا نحقق كل شيء، ولكن سوف نحقق بعضًا منها، وهذه الأفكار راودتني وأنا أتلمس موضوعًا لكتابته ليس من نسيج الخيال، ولكن من ضوء قراءتي للواقع العربي، رغم أن الوضع لن يتغير فجأة فسوف يستمر عام 2016، فيه بعض من التحدي والبقاء للأمة العربية الإسلامية نكون فيه أو لا نكون، وذلك بسبب أنها لا تزال تهددها المخاطر المحدقة بها سواء كان مصدرها نابعًا من الداخل أو من بيئتها الإقليمية والعالمية، ولكن الذي يثلج الصدر أن قوى المقاومة والتغيير قد واصلت فعلها الإيجابي كما تمثل ذلك في استمرار صمود المقاومة الفلسطينية، ومثابرة المقاومة العراقية على إنهاك المحتل واستنزافه، واستمرار الشعب السوري في نضاله والصعود النسبي لبعض قوى التغيير وحركة الجماهير في عدد من الأقطار العربية، الأمر الذي يمكن النظر إليه باعتباره إشارة واعدة بمستقبل عربي أفضل. الأمة العربية لديها من عوامل القوة والصمود ما لا تملكه أي أمة في العالم، وما وجدت هذه الأمة إلا لتبقى. لا تحسبوا أمة العرب هي أمة النفط والثروات ولكنها أمة المبادئ والقيم الروحية والدينية، أمة ظهر منها أطهر إنسان مشى على وجه الأرض فحسبها وهو الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن رحم هذه الأمة ولد أبطال أذاقوا المستعمر الهزائم والويلات، أمة في موقع استراتيجي تتوسط العالم خرج منها العلماء والفقهاء في شتى أنواع العلم والمعرفة، وغذت العالم بهم؛ لذا لا يمكن أن تكون خارج التاريخ.
هذه الأخطار التي تهدد الأمة تزيد من صمودها وصلابتها، الأعداء لا يريدون لهذه الأمة أن تأخذ دورها في صناعة الحضارة الإنسانية، ولا نستبعد أن يكون عام 2016م استمرارًا للإرهاصات التي تطبق على الأمة، ولكن من أجل ميلاد جديد ومستقبل واعد، فها هي إيران تغوص في الوحل في سوريا والعراق، وتبدأ بالتفكير في الانسحاب من سوريا، ولا تستطيع أن تتخلى عن دورها؛ لأن ذلك يعني هزيمتها وجنرالاتها تُشيَّع جنائزهم في طهران، وها هي أميركا لا تقترب من قضايا العرب إلا بالنزر اليسير؛ لأنها تعرف أن العرب يكرمون الضيف إذا كان شهمًا صادقًا معهم، أما إذا كان يريد الشر بهم فلا يفلت من يدهم إلا وهو يجر أذيال الخيبة. إن الشوكة المزروعة في خاصرة الأمة وهي إسرائيل بدأ يصيبها الوهن والترهل، وها هي إسرائيل تعيش حالة من الرعب لم تمر بها مثل هذه الحالة، تقتل الأطفال وتعتقل الأبطال، لقد أصبحت في رعب وخوف، وها هو الطفل الفلسطيني يرميهم بالحجارة، وذلك لأنهم ليسوا إلا في مستوى الحجارة ولن يستكين، ورغم ما لحق بشعب فلسطين من مذابح ومجازر فإن ذلك لن يثنيهم عن مواصلة الجهاد الذي هو من اختصاص هذه الأمة. أمة كهذه لم تكن لتصبح مستهدفة من الشرق والغرب إلا لأن أعداءها يخاف نهوضها.
الأمة تصارع الزمن وتحاول الخروج من الواقع المحبط إلى إشراقة أفضل. نحن أمة تملك التفاؤل للمستقبل ولا تستسلم للواقع. في الزمن السابق أمم تتكالب عليها مثل الفرس والروم وكأن الأمس هو اليوم واليوم هو الأمس، واليوم إيران وأميركا والغرب، فالعدو هو العدو وهدفهم واحد، والأمة صامدة بما تمتلك من حضارة عريقة وبشعبها الذي هو مصدر قوتها، بشائر خير تأتي مع قدوم هذا العام، فها هي منظمة التحرير الفلسطينية تقدم أوراقها للاشتراك في المنظمات الدولية بعد أن وقفت أميركا أمامها في مجلس الأمن بإقامة دولة لها، ولكنها واصلت المسيرة، وأكبر منظمة اشتركت فيها هي محكمة الجنايات الدولية بعد أن تشكلت حكومة وطنية من جميع الفصائل. وها هي القبائل والعشائر العراقية تقاتل التنظيمات الإرهابية عن أربيل، وفي الشمال يتكاتف الأكراد والقبائل العربية لطرد التنظيمات الإرهابية كشعب واحد من الشمال إلى الجنوب، وذلك سوف يقلص النفوذ الإيراني في العراق التي هي بدورها مشغولة باهتزاز اقتصادها بعد هبوط أسعار النفط والعقوبات التي عليها حتى أصبح المواطن الإيراني تحت خط الفقر.
وها هو التحالف العربي يتقدم للأمام على مشارف صنعاء، وما لجأ الحوثيون للمفاوضات إلا من بعد أن أدركوا أنهم راحلون، وأصبحت قضية اليمن توحد العرب. مهما اختلفت الآراء تبقى قلوب العرب عند بعضها شعوبًا وحكامًا، إلا أن القلوب تبقى عند بعضها توحدنا رابطة الدم والمصير المشترك والعقيدة الإسلامية والثقافة المشتركة، أمة كهذه جذورها تضرب في أعماق الأرض لن يزيلها الأعداء سوف تبقى تقاوم ما دامت الأمة العربية لا تزال تنجب الأبطال وإن غدًا لناظره قريب.