حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مصر والسعودية: ملف العلاقات!

لعله من المناسب والمفيد فتح ملف العلاقة بين السعودية ومصر خلال الفترة الحالية، فليس بخاف على كثيرين أن هناك أحداثًا كثيرة في هذا السياق، فهناك من هو قاصد للخير في استفساره عما يحصل، وهناك من يخلط التفسير والتحليل لما يحصل برغبات وأحلام تراوده وتراود من معه.
كان هناك حديث مكرر ومتواصل عن أن العلاقات السعودية - المصرية تمر بمرحلة إعادة تقييم لأن الخلافات والفجوة وصلت إلى مراحل متطورة ومهمة. ويركز الذين يتبنون هذا الرأي (في البلدين) على بعض تعليقات الإعلاميين في مقابلات تلفزيونية أو في بعض المقابلات الصحافية أو مقالات الرأي، ويعتبرون ذلك رسالة من حكومة بلدهم للبلد الآخر المعني.
السعودية تحديدًا تتبنى خطًا سياسيًا ثابتًا في علاقاتها الخارجية، ولمصر تحديدًا رمزية بالغة الدلالة والأهمية أسسها الملك المؤسس عبد العزيز، رحمه الله، الذي زار مصر فكانت الزيارة الخارجية الوحيدة له كملك، وتعاقب بعده أبناؤه من الملوك ليستمر تعاملهم مع مصر كدولة، لا كنظام. في كل مرة كانت السعودية تتعامل مع الحاكم المصري على أنه يمثل مصر حتى ولو كان ذلك على حساب من تربط السعودية معه علاقات مهمة. فالسعودية تعاملت مع الملك فاروق ملكًا، ثم مع محمد نجيب الذي جاء منقلبًا على فاروق، ثم مع عبد الناصر الذي أخرج محمد نجيب.. وهكذا تباعًا وصولاً إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. السعودية تتعامل مع مصر وحاكمها نقطة على السطر.
في كل علاقة توجد مراحل توافق ومراحل اتفاق قد لا يلتقي الطرفان في كل المسائل والمواضيع بالتمام والكمال ولكن لهما نفس الرؤية العامة. فالبلدان لديهما اتفاق وتوافق واضح عن شروط العمل على حماية المنطقة من خطر التدخل الخارجي والإرهاب والتطرف، يشتركان بشكل واضح وجلي في تحالف لحماية الشرعية في اليمن المسمى بعاصفة الحزم. يتفقان من ناحية المبدأ على أن بشار الأسد لا يمكن أن يكون له مستقبل في حكم سوريا، وإن كانا يختلفان في طريقة تطبيق ذلك. ويتفقان على نفس الرؤية في ليبيا في ما يخص محاربة الإرهاب.
يدركان أنهما بحاجة ماسة بعضهما إلى بعض وأن التكامل مطلوب لصالح المنطقة بين مصر والسعودية. هناك أحداث تمثل الخط «القومي الناصري» وأصوات تمثل تنظيم الإخوان المسلمين (في البلدين) وخصوصًا من الفريق الثاني الذي يصور الموقف السعودي على أنه ضد رغبة الشعب المصري وضد الدين الإسلامي، وهو نوع فج من الاتجار بالكلمات والمبالغة الهائلة فيها. الحرية والعدالة والإخوان المسلمون ومحمد مرسي ليسوا مصر وليسوا الشعب المصري وليسوا الإسلام، هم فصيل سياسي حكم وفشل وانتقلت مصر إلى مرحلة تالية، وأسر العلاقة بين السعودية ومصر تحت هذا «الميكروسكوب» فقط هو نوع من التضليل التام، وخصوصا إذا ذكرنا أن حزب الإخوان المسلمين نفسه كان يتعامل مع المصريين أنفسهم على أساس أن بعضًا منهم ينتمي إلى العشيرة والباقي غير منتمٍ، و«العشيرة» هو الاسم الذي كان يستخدمه محمد مرسي لمخاطبة أنصاره.
العلاقات السعودية - المصرية أهم بكثير من حصرها في مرحلة أو في أشخاص، فالسعودية لها مبادئها وسياستها، لا يؤثر في ذلك رغبات وآراء وأقوال هنا وهناك، وبالتالي على العقلاء والحكماء في البلدين الالتفات الدقيق إلى أن هناك من لديه رغبة جارفة لتحطيم وزلزلة العلاقة بينهما، لأن ذلك من مصلحة مشروع أكبر، ولكن المنطقة لا تتحمل أبدًا تبعات الخلل في العلاقة بين السعودية ومصر مهما كانت الخلافات والاختلافات بينهما، فهي يجب أن تكون منظورة في ضمن سياق طبيعي بين أي دولتين لهما وجهات نظر، وليس كما يريد ويرغب أن يصوره البعض أنه خلاف ومؤامرة وغدر وخيانة.
العقل والحكمة يتغلبان في إدارة ملف العلاقات السعودية – المصرية، ولكن هناك من يستمر في الحراك الخبيث لزرع ورسم صورة مغايرة، والمطلوب هو شفافية ووضوح لتدمير هذه المحاولات.