محمد مصطفى أبو شامة
كاتب وصحافي مصري
TT

«بابا نويل» يرقص «المولوية» في «كريسماس» صوفي

أسعدني لقاء «بابا نويل» مع شمس التبريزي ليستقبلا معا العام الجديد ويتراقصا على أشعار مولانا جلال الدين الرومي في ساحة المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية وسط العاصمة القاهرة، التي تألقت واستعدت على طريقتها لاستقبال 2015 بمشاعرها الخاصة وملامحها المتناقضة، حيث تباينت «سهرة الكريسماس» من فنادق مطلة على النيل يحييها ألمع النجوم العرب، مع حفلات أخرى تلفزيونية يقضيها البسطاء والفقراء و«البردانين» في «جزيرة القطن»؛ المصطلح الأكثر استخداما في مصر لوصف «فراش النوم» أو «السرير»، في كلمة تجمع بين الحلم والسخرية المرّة.
قررت سيدة الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايم، عازفة الفلوت الشهيرة، أن تسعد قلوب «العاشقين» في ليلة رأس السنة بحفل لفرقة المولوية المصرية، التي يتقدمها المنشد المعروف عامر التوني، ومن حوله راقصو المولوية، في مشهد بديع وفريد مع تساقط «خجول» لأمطار شتوية مفاجئة، لم تعكر مزاج المستمتعين من جمهور امتلأت به ساحة المسرح والمدرجات المحيطة به.. وردد الحضور مع المنشد المتألق قصائد المديح الشهيرة.. «زدني بفرط الحب» من أشعار ابن الفارض، و«ويا مليحا قد تجلى» للسهروردي، واختتم برائعة الحلاج «والله ما طلعت شمس ولا غربت» التي يقول بعض أبياتها:
والله ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَربَتْ إلا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بأَنفاسي
وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم إِلا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلاسي
وَلا ذَكَرتُكَ مَحزونا وَلا فَرِحًا إِلا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي
وَلا هَمَمتُ بِشُربِ الماءِ مِن عَطَشٍ إِلا رَأَيتُ خَيالاً مِنكَ في الكَأسِ
إن أهم ما يلاحظ في حفلات «المولوية المصرية» الموسيقية التي ازداد الإقبال عليها بشكل كبير في العامين الأخيرين، هو الفارق الذي صنعه مؤسسها عامر التوني، بأن جعلها حالة بعيدة عن الدروشة الدينية، وحلق بها في سماء الفن والإبداع فقط.. اختياراته الغنائية من تراث الصوفية أعاد توزيعها بروح مصرية شرقية. أما على مستوى الشكل - الرقص - فهو يخلط بين الشكل التقليدي لـ«رقصة المولوية» التي صممها جلال الدين الرومي، و«رقصة التنّورة» الشعبية المصرية التي تنتمي لذات الجذور الصوفية، وينقلك الراقصون إلى حالات مختلفة من الرقص الدائري الهادئ والمتصل، منتقلين من الحزن في بادئ عرضهم، إلى الفرح والبهجة في الختام، وهو ما يتناسب بالفعل مع مشاعر الحضور المودعة لعام ثقيل بكل أحداثه والمتلهفة بفرحة إلى عام جديد، تبتهل إلى الله أن يكون سعيداً، فكانت حقا ليلة «كريسماس صوفي».
وقد تمددت «المولوية المصرية» لتقدم عروضها الأخيرة داخل وخارج مصر، ويجتهد مؤسسها التوني في طرح تزاوج فكري بين التراث المصري والعالمي لفنون الإنشاد الصوفية، وخلق حالة بصرية مبهجة تتواكب مع الإنشاد الجميل، ليتحول ما يقدمه إلى حالة تقترب من الـ«مسرحة» الكاملة. ومن المثير للإعجاب أن بعض عروض «المولوية المصرية» قدمت في أديرة قبطية، وفي صروح ثقافية مهمة؛ مثل مكتبة الإسكندرية ودار الأوبرا المصرية، وأتوقع لهذه الفرقة أن يتنامى جمهورها مستقبلا بشكل كبير إذا نجح منشدها في تطوير أدوات عرضه والتجديد في برنامج حفله الذي يغلب عليه الثبات.