هذا الأسبوع، حصل جو بايدن ودونالد ترمب رسمياً على المندوبين اللازمين للفوز بإعادة الترشيح في الانتخابات التمهيدية التي يخوضها كل منهما. وستكون هذه المنافسة الأولى منذ انتخابات عام 1892 بين بنيامين هاريسون وغروفر كليفلاند، يتنافس فيها مرشح سابق، يشغل المنصب الرئاسي الآن، ومرشح سابق على الوصول للبيت الأبيض. وقد فاز كليفلاند بالتحدي الذي واجهه، لكن هذا لا ينبئ بأي شيء عن وضعنا الحالي.
الحقيقة أن هناك شعوراً سائداً حول هذه الانتخابات بأنه لا يوجد شيء جديد يمكن مناقشته ـ وأنه لا يوجد جديد لنعرفه عن بايدن، وبالتأكيد لا يوجد جديد لنعرفه عن ترمب.
إلا أنه في حين يقتضي الإنصاف القول بأننا نعرف كثيراً عن الرجلين - نقاط القوة والضعف لديهما، ووجهات نظرهما، وطبيعة إدارتيهما وسجلاتهما أثناء وجودهما في الرئاسة - فلا يزال هناك كثير يمكن قوله حول ما ينويان فعله حال حصول أيهما على 4 سنوات أخرى في البيت الأبيض.
لدى ترمب وبايدن خطط بعيدة المدى للبلاد، وأي منهما من شأنه أن يحدث تحولاً كبيراً في الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، سيكون أحد هذه التحولات نحو الأسوأ، والآخر نحو الأفضل.
ودعونا نبدأ بالأسوأ. نحن نعلم أن الأهداف الرئيسية لدونالد ترمب خلال فترة ولايته الثانية، الديمقراطية الأميركية والنظام الدستوري الأميركي. من وجهة نظر ترمب، فإن أساسيات الحكم الأميركي - الفصل بين السلطات، والخدمة المدنية المستقلة، والاختيار الشعبي للمسؤولين المنتخبين - تشكل عقبة مباشرة أمام رغبته في حماية نفسه وإثرائها وتوسيع نطاق حكمه الشخصي إلى أقصى حد ممكن.
لقد تعمق زميلي كارلوس لوزادا في «مشروع 2025» ـ المخطط الذي وضعته مؤسسة «هيريتيدج فاونديشن» المحافظة لولاية ترمب الثانية. ويدور التوجه العام حول إعادة تشكيل استبدادية للسلطة التنفيذية، مصممة حول ترمب. ووصف لوزادا المخطط بأنه «يدعو إلى تسييس الحكومة الفيدرالية دونما هوادة، مع تمتع المعينين الرئاسيين بسلطة تفوق المسؤولين المهنيين في كل منعطف، وإلغاء الوكالات والمكاتب لأسباب آيديولوجية صريحة». وأشار كذلك إلى أن المخطط المطروح «يصور الرئيس بوصفه التجسيد الشخصي للإرادة الشعبية، ويعامل القانون على أساس أنه عائق أمام الحكم المحافظ».
ومن الناحية العملية، فإن أحد الأشياء التي قد يعنيها هذا أن ترمب سيجري تمكينه لاستخدام وزارة العدل للتحقيق مع خصومه السياسيين، أو استخدام دائرة الإيرادات الداخلية لمضايقتهم عبر عمليات التدقيق الحسابي وغيرها من أشكال التدقيق.
إلا أن فترة ولاية ترمب الثانية لن تقتصر فقط على إساءة استخدام السلطة، وتآكل الضوابط والتوازنات، ورفع مجموعة متنوعة من المتسللين إلى مناصب السلطة الحقيقية، وإنما ستعمل على تحويل الحكومة الفيدرالية إلى وسيلة للتوزيع التصاعدي للثروة.
ومن جانبه، يرغب ترمب والجمهوريون في الكونغرس في تمديد تخفيضاته الضريبية لعام 2017 بتكلفة قدرها 3.3 تريليون دولار، والتي ستكون الغالبية العظمى من المستفيدين منها من أصحاب الدخل الأعلى. ويأمل ترمب كذلك في خفض معدل الضريبة على الشركات، ما يقلل من إيرادات الحكومة بمقدار 522 مليار دولار إضافية. ولسداد تكاليف ذلك، يكاد يكون من المؤكد أن ترمب والجمهوريين سيستهدفون شبكة الأمان الاجتماعي، والمعونة الطبية، وكوبونات الغذاء، وغيرها من البرامج المخصصة للأميركيين العاملين وذوي الدخل المنخفض، حتى أن ترمب قال إنه منفتح على خفض الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي ـ خطوة قد تكون ضرورية إذا تمكن الجمهوريون من حرمان الحكومة الفيدرالية من نحو 4 تريليونات دولار من الضرائب.
وينبغي لنا أن نتوقع كذلك أن تستأنف إدارة ترمب الثانية الجهود الرامية إلى إلغاء قانون الرعاية الميسرة، فضلاً عن محاولة إلغاء أكبر قدر ممكن من الإنفاق على قضايا المناخ في إطار قانون الحد من التضخم.
في المقابل، يرغب بايدن في شيء مختلف للغاية للبلاد. يتمثل هدفه الأول، في البداية، في الحفاظ على النظام الدستوري الأميركي، والدفاع عنه؛ فهو لن يخرب الديمقراطية الأميركية لكي يجعل من نفسه رجلاً قوياً مثلما فعل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي التقى حديثاً بترمب في مارالاجو.
وإذا نظرنا إلى ميزانيته المقترحة لاستنباط مؤشرات، سيسعى بايدن إلى إعادة تنشيط دولة التأمين الاجتماعي. ويدعو اقتراحه، الذي صدر الاثنين، إلى فرض ضرائب جديدة بقيمة 5 تريليونات دولار على الشركات والأثرياء على امتداد العقد المقبل. وهذا من شأنه أن يمول، من بين أمور أخرى، خطة لتوسيع الملاءة المالية لبرنامج الرعاية الطبية، وخطة لاستعادة الائتمان الضريبي الموسع للأطفال الذي جرى إقراره في خطة الإنقاذ الأميركية في بداية عهد إدارته، وخطة لضمان تكلفة منخفضة ومبكرة لرعاية الأطفال لمعظم الأسر، وخطة لتوسيع نطاق تغطية التأمين الصحي بموجب قانون الرعاية الميسرة. باختصار، يأمل بايدن في تحقيق الأولويات الديمقراطية طويلة الأمد.
هناك نقطة أكبر يمكن الخروج بها من هذا الموجز لأولويات كل مرشح. لقد اعتاد الأميركيون على التفكير في انتخاباتهم الرئاسية بوصفها معركة بين الشخصيات، وهو إطار لا تشجعه إلا طبيعة النظام السياسي الأميركي التي تركز على المرشحين، فضلاً عن الطريقة التي تغطي بها وسائل الإعلام أخبار الانتخابات. وحتى الطريقة التي يفكر بها أغلب الأميركيين في تاريخ بلادهم، والتي تركز دائماً باهتمام شديد على من يشغل البيت الأبيض في لحظة معينة، تعمل على تعزيز فكرة مفادها أن الانتخابات الرئاسية تدور في الأغلب حول الأشخاص.
بالتأكيد للشخصية أهميتها، لكن قد يكون من المفيد أن نفكر في الانتخابات الرئاسية بوصفها سباقاً بين ائتلافات متنافسة من الأميركيين، أي مجموعات مختلفة، ومجتمعات مختلفة، تريد أشياء مختلفة تماماً، بل ومتعارضة، لهذا البلد.
يرغب التحالف الذي يدعم بايدن فيما أرادته التحالفات الديمقراطية منذ رئاسة فرانكلين روزفلت على الأقل: المساعدة الحكومية للعاملين، والدعم الفيدرالي، ودمج مزيد من الأميركيين المهمشين.
أما التحالف الذي يقف خلف ترمب، فإنه بعيداً عن الرغبة النهمة في خفض الضرائب على المصالح المالية للأمة، يبدو أن هناك رغبة أعمق في انتهاج سياسة الهيمنة. واللافت أن ترمب لا يتحدث عن السياسة، بأي حال من الأحوال، بقدر ما يتحدث عن الانتقام من منتقديه؛ فهو لا يهتم بآليات الحكم إلا بقدر ما تكون أدوات لمعاقبة أعدائه. وإذا كان ما يريده ترمب يخبرنا بأي شيء، فهو أن الهدف الفعلي لتحالف ترمب ليس حكم البلاد، وإنما حكم الآخرين.
* خدمة «نيويورك تايمز»