انتقال سلس للسلطة في السعودية، وتفاؤل شعبي، وإن كذبت الأقوال فمؤشرات سوق الأسهم لا تكذب أبداً. المراقبون الدوليون، أو الساسة في الغرب حين يعلقون على مسائل كهذه، فهم ليسوا في حاجة للمجاملة. أو أن يقول عنهم البعض "مطبلون". في الشأن المحلي، كل ما تحدث شخص عن أمر يتعلق بقرار حكومي بإيجابية كان الرد أنه منافق، مطبل. ولهذا لن أستشهد بأقوال كل من سيطلق عليهم مناضلو الانترنت الصفات الثلاث السابقة، بل سآخذ ادوين سامويل المتحدث باسم الحكومة البريطانية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي علق على تعيين واختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً لعهد السعودية، أنه "مشهد ملكي راق للانتقال السلمي للسلطة"، وأضاف "نمر في بريطانيا بانتقال سياسي أيضاً، كان مبهراً أن نرى القواعد الدستورية السعودية في التطبيق".
لم تأت شعبية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فجأة، ففي أقل من عامين، رفع لواء التحدي والتغيير الاقتصادي. أسعار النفط المنخفضة خطرها على المملكة لا يقل عن خطر قنبلة نووية تفتك بالملايين. في كل انخفاض للأسعار، تبدأ التحليلات في مراكز الدراسات، وتعنون الصحف الغربية متسائلة هل بدأ العد التنازلي لاختفاء "السعودية". وهذه ليست مبالغة، بل هو ما حدث حين انخفضت أسعار النفط في الثمانينات. وإلى جانب هذا العامل، كل أزمة تمر بها المنطقة يكون التساؤل عن السعودية.. زوالها .. اختفائها .. لكنها تفاجئهم بالالتفاف على الأزمات، جاعلة من الفرص نجاحات.
انخفاض أسعار النفط الأخير، جعل دوريات شهيرة كـ "ايكونوميست" وغيرها أن تخصص صفحات للحديث عن مستقبل السعودية، ولأنها دوريات رصينة، هي نفسها التي جعلت الغلاف للحديث عن الرؤية السعودية، وخصخصة أرامكو، بعد أن التقت بولي العهد السعودي حين كان وليا لولي العهد.
اختار الأمير محمد فتح الأبواب للصحافة الغربية، فالأبواب المغلقة والانعزال ورفض قبول الإعلام والاكتفاء بوكالة الأنباء الرسمية سيزيد من الغموض. وكالات الأنباء، بلومبيرغ، نيويورك تايمز، بي بي سي، ايكونوميست، وغيرها، كان لها نصيب من الزيارات واللقاءات. بعضها كان يدون نقاشات تفصيلية. هل ضرّ ذلك بالسعودية؟ لا. هذا الخيار الذي يخافه الكثيرون، قرر الأمير الشاب تغيير المعادلة، والصورة النمطية. المرأة في المملكة لا تقود السيارة، لكنها تقود هيئة سوق المال، وتنوب في رئاسة الهيئة العامة للرياض، وعضو في مجلس إدارة صناعة الترفيه.
آمن ولي العهد بالاقتصاد، وأنه المغيّر الحقيقي. رفض عبودية النفط والاستسلام له، وجعل ثقته في الشباب لأنه منهم. صناعة التحالفات ليس بالأمر السهل، وهو أحد الاختبارات الحقيقية، فكان هذا المؤشر القوي. تحالفات عسكرية واقتصادية، ودعم لاستقرار أسعار النفط.
في زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية، كانت جلسة مباحثات، تحولت إلى غداء عمل، استمر الاجتماع أكثر من 6 ساعات. طواحين العمل وورشه التي في الرياض، تسمع ضجيجها في بورصات العالم. هذه ليست مبالغة، الكل يخطب ود السعودية للحصول على جزء يسير من اكتتاب القرن "أرامكو". تخوّف البعض في البداية، لأنهم ألقوا أسماعهم لماكنة إعلام إخونجي معادٍ تموله دولة شقيقة، قالوا إن المملكة باعت نفطها وما في باطن الأرض. الحقيقة أنه 5 % فقط، وهذا في كل التفاصيل المعلنة المتعلقة بالاكتتاب.
واجهت الرؤية في عامها الأول حملات تشكيك، وتثبيط. مئات المدفوعين لتشويه كل ما هو مستقبلي، تحطمت أقوالهم على صخرة الواقع. الرؤية الاقتصادية للمملكة، ليست قولاً شفهياً، هي برنامج عمل بجدول زمني ومعلن، يستطيع المواطن المشاركة في الانتقاد والتقويم، والاطلاع على ما فعلته كل وزارة وما لم تفعل.
الاقتصاد هو المستقبل، وهو الأداة الوحيدة القادرة على تفتيت التطرف، والأخذ بالسعودية وأهلها إلى بر الأمان. تلاطم الأمواج بحاجة إلى ربان ماهر، وبحارة مهرة. نحن نبحر الآن نحو المستقبل، المد والجزر أمر طبيعي، اللاطبيعي استباق ذلك بالخوف من دوار البحر.
8:37 دقيقه
TT
السعودية تجدد دماءها
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة