مرة أخرى حصل زعيم أكبر حزب سياسي في البلاد على ميزات انتخابية، غير أنه أدار حملة ضعيفة، وتعرض لهجوم وانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولقنه الناخبون درساً قاسياً. وعليه، فقد برز التساؤل الأبرز: أما آن الأوان أن يتعلموا الدرس؟
فرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي معروف عنها أنها شخصية صبورة حذرة، وأنها أكثر تكنوقراطية، وأنها عملية لا تميل للمبالغة في المديح. غير أنها قامت بأكبر رهان سياسي، فقد دعت إلى إجراء انتخابات لم يكن لها أن تدعو لها، وذلك في محاولة لتعزيز قاعدة أنصارها الذين يشكلون الأغلبية.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت ماي ستفقد منصبها، كما حدث مع كاميرون. فللانتخابات معانيها الضمنية الكبيرة فيما يخص السياسة الخارجية والداخلية، خصوصاً مفاوضات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، المقرر أن تبدأ خلال 11 يوماً.
فعندما أظهر التصويت الابتدائي خسارة حزب المحافظين لمقاعده، كان الاستنتاج هو أن الناخبين لم يلتزموا بالنص، وأنهى المحافظون الليلة بخسارة للأغلبية، وأصبحوا في برلمان من دون أغلبية، رغم أنهم سعوا في البداية للحصول على 318 مقعداً. وفي الغالب، سيترنحون كحكومة أقلية تسعى للحصول على أي تأييد ممكن.
غير أن هذا الوضع بعيد تماماً عن الأغلبية الضخمة التي توقعتها ماي. فحزب العمال، الذي يتزعمه جيرمي كوربن حقق إنجازاً تاريخياً، بقلب الأوضاع منذ بداية الحملة، عندما تخلف عن حزب المحافظين بنحو 20 في المائة، ومن المتوقع أن يضيف حزب العمال نحو 35 مقعداً آخر من المقاعد التي فاز بها عام 2015، والتي بلغ عددها آنذاك 232 مقعداً، وهي ضربة موفقة غير عادية. ومنذ فترة قصيرة، أفاد نقيب التجاريين لين مكلوسكي بأن 200 مقعد ستكون نتيجة جيدة.
ويبدو أن التغيير الذي ستحدثه انتخابات الخميس ستكون ضئيلة: فرئيسة الوزراء ستحتفظ بمكانها في 10 داونينغ ستريت، وسيجري تفعيل الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، لكن في ظل النظام البريطاني الذي يقضي بأن الفائز يحصل على نصيب الأسد، فالأغلبية البسيطة يمكنها تغيير البيئة كلياً.
والسؤال الأهم هو: هل ستحتفظ ماي بمنصبها كرئيسة للوزراء؟! ذلك صعب تخيله الآن. فحزب المحافظين جماعة لا ترحم، لكنهم قد يقررون أنه في ضوء مفاوضات الخروج البريطاني المقررة قريباً، وفي ضوء الأغلبية البسيطة التي حصلوا عليها، فهناك الكثير الذي يخشون خسارته، والذي قد يؤدي إلى معركة تنتهي بموتهم سياسياً، وانشغالهم بانتخابات أخرى لاختيار قيادة جديدة.
وفي حال استمرت ماي في منصبها، سيكون عملها أصعب، فحقيقة الخروج البريطاني لن تغيرها الانتخابات، لكن شكلها سيتغير بكل تأكيد. وعلى الحكومة أن تعتمد على أحزاب لا تتفق مع نهجها الذي يقضي بتمرير صفقة بالغة التعقيد من خلال البرلمان بغرفتيه، مما يعنى خروجاً ألطف من الاتحاد الأوروبي، أو ربما خروجاً أكثر تعقيداً.
وبافتراض أن ماي أنجزت اتفاقاً تجارياً جديداً مع الاتحاد الأوروبي، وخروجاً ناعماً من منظومته عام 2019، فقد تنبأت تقارير وكالة معلومات «بلومبيرغ» بتراجع الاقتصاد البريطاني بواقع 2 في المائة.
ما خطأ تيريزا ماي؟ ناهيك عن تراجعها عن بيانها الرسمي، وظهورها بمظهر عتيق، ورفضها المربك المشاركة في الجدل الدائر، واستخدامها المفرط لعبارة «قوي ومستقر»، فقد شنت ماي حملة خاسرة، إذ إن المواد الدعائية التي وصلت إلى بيتنا حذرت ببساطة من سيناريوهات ساعة الحساب، في ظل قيادة حزب العمال، بلغة تبدو كأن صاحبها هبط من كوكب آخر على الأرض. فقد كانت الكلمات قريبة الشبه من تحذيرات هيلاري كلينتون من غزو دونالد ترمب، وهي التحذيرات التي ارتدت عليها.
لا يتذكر كثيرون من ناخبي حزب العمال، وأغلبهم من الشباب، التجربة الاشتراكية التي عايشناها في السبعينات، لكنهم ما زالوا يعانون من تداعيات الأزمة المالية، وقد وجدوا أن وعود كوربين بشأن الحوافز والاتفاق على الخدمات لها جاذبية، فكلمة «تأميم» ليست بالكلمة القذرة بالنسبة لهم.
بكل تأكيد، فإن لتيريزا ماي التصوران نفسهما اللذان شعر بهمها كاميرون وكلينتون، وحتى الأحزاب الرئيسية في فرنسا، والتصوران هما أن الجميع قلل من تأثير رسالة خصومهم، والجميع افترض أنه من السهل الاحتفاظ بدعم الناخبين بمجرد الحصول عليه.
فناخبو اليوم يشبهون المشترين عبر الإنترنت، فهم يتحركون بسرعة وباندفاع، لكنهم أيضاً قساة يميلون إلى مشاهدة كل شيء قبل الشراء، وما أسهل أن يطلبوا استرداد المال إن لم يسعدوا بما ابتاعوه. والقراءة الخاطئة لهذا الحال كان الخطأ الأكبر لماي، فقد نظرت إلى أرقام الاستطلاعات التي جرت في أبريل (نيسان)، ورأت فيها مخزوناً ثابتاً، لا سيلاً متدفقاً قد يغير اتجاهه. ومع تراجع الولاءات الحزبية في المملكة المتحدة، كما هو الحال في غيرها من الدول، فالمسؤولية تصبح أثقل على شخصية القادة، ولذلك كان الضوء مسلطاً على زلات ماي، وهي كثيرة، وجرى تضخيمها.
يتندر الناس عن الكيفية التي وصلت بها ماي إلى هذا المنصب، فقد فكر كاميرون في أن يضع حداً لانقسامات حزب المحافظين بشأن أوروبا بأن يجرى استفتاء عاماً قد يحل المشكلة، ويوحد الحزب، ويحتفظ به في السلطة. وعندما فشل رهانه، ورثت ماي «بريكست» والحزب بكل ما به من انقسامات. ثم دعت ماي إلى التصويت على وجودها، لتزيل ما تبقى من الشكوك، وتقوى من قبضتها، ولا يزال حزبها متمسكاً بالسلطة، لكن بشق الأنفس.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
7:37 دقيقه
TT
أكبر زلات تيريزا ماي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة