هل يعد وزيرا الخارجية والدفاع من الشخصيات المهمة الصانعة للقرار؟ وإلى متى ستظل إدارة ترمب قادرة على التعامل مع الروس داخل سوريا؟ ما يزال الأمر غير واضح حول سياسات الإدارة الأميركية وأولوياتها على صعيد الأمن الوطني.
وبالنسبة لمن هم بمنطقة الشرق الأوسط الذين يراقبون ما يجري ويتساءلون، تبقى هناك بعض التساؤلات ستكشف إجاباتها الكثير عن التوجه الذي ستتخذه الإدارة الجديدة - على الأقل تجاه المنطقة. وهنا يعاود التساؤل السابق طرح نفسه: هل يعد وزيرا الخارجية والدفاع من الشخصيات المهمة الصانعة للقرار؟
الملاحظ أن كلا من ريكس تيلرسون وجنرال جيمس ماتيس كان واضحاً للغاية خلال الشهادة التي أدليا بها أمام الكونغرس في التأكيد على أهمية هيكل تحالفاتنا. علاوة على ذلك، فإن جنرال ماتيس خلال رحلته إلى كوريا الجنوبية واليابان كان قوياً في إعادة تأكيده على الالتزامات الأميركية تجاه البلدين، خاصة في مواجهة كوريا الشمالية، ولكن أيضاً في مواجهة الصين. ولم يطرح أي تلميحات إلى فكرة أن التزامنا تجاه الدولتين ربما يعتمد على ما إذا كانت كل منهما تسهم بالقدر الكافي في ضمان أمننا. والواضح أن هذه الفكرة لم يرد ذكرها خلال المناقشات التي شهدتها الزيارة - بل على العكس، دارت الرسالة الرئيسية حول التأكيد على جدارة الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف.
ولست أحاول هنا التلميح إلى أن الرئيس ترمب لا يود من الحلفاء تحمل نصيبهم العادل من المسؤولية، فمن المؤكد أنه يود ذلك، لكن مسألة إثارته هذه القضية علانية خلال حملته الانتخابية والفترة الانتقالية ربما تحفز الحلفاء على إظهار أنهم يبذلون مزيدا من الجهود للاضطلاع بمسؤولياتهم. أما الفكرة التي أردت توصيلها من خلال الإشارة إلى الموقفين الأكثر تقليدية لكل من تيلرسون وماتيس فهي أنه إذا كانا يتمتعان بثقل حقيقي وسلطة في عملية صنع القرار، فإن مجمل السياسات الخارجية الأميركية ربما لا يطرأ عليه التحول الهائل الذي ربما يتوقعه البعض. وإذا ما اختار ترمب نقل الكثير من مسؤوليات الإدارة اليومية إلى ماتيس وتيلرسون - وقد لمح بالفعل إلى عزمه نقل المسؤولية عن مسألة استخدام التعذيب إلى ماتيس - فإن أولويات واشنطن على صعيد الأمن الوطني ربما تعكس قدراً أكبر من الاستمرارية، وليس التغيير.
بيد أن ذلك لا يعني أن السياسات ستبقى دونما تغيير. ومع أن الأولويات الكبرى للرئيس أوباما تناغمت مع التيار الرئيسي من التقاليد والأعراف الدولية الأميركية، فإن أسلوب تنفيذه سياساته ورؤيته لحدود القوة الخشنة وتردده إزاء التورط في صراعات الشرق الأوسط، تركت جميعاً تأثيرات عميقة على صورة الولايات المتحدة. ومن الواضح أن الرئيس ترمب يرغب في تصدير صورة أقوى لواشنطن. ومع ذلك، تبقى ثمة أهمية كبيرة لعملية صنع القرار ذاتها. كما أنه من المهم متابعة ما إذا كان ترمب سينقل بعضا من سلطاته إلى كبار الوزراء المعاونين له لاستخلاص مؤشرات حول طبيعة النهج الذي تنوي الإدارة اتباعه حيال الأمن الوطني وكيفية تطبيقه.
من ناحية أخرى، يبدو واضحاً أن الرئيس يميل للتعاون مع الرئيس الروسي بوتين فيما يخص سوريا. وربما يخلق التعاون الروسي - التركي أيضاً انفراجة أمام إدارة ترمب، فكلما زاد تعاون روسيا مع تركيا، تضاءلت إمكانية أن تفعل ذلك مع إيران. ومع هذا، فإنه حتى يومنا هذا أسهمت روسيا في تعزيز نفوذ إيران وميليشيات داخل سوريا. وبسبب نقص أعداد القوات العسكرية السورية، زاد الاعتماد على هذه الميليشيات في احتلال الأراضي التي استعادها نظام الأسد. وفي ظل غياب وقف إطلاق نار فاعل على الأرض، ما من شك في أن الروس سيستمرون في الاعتماد بشدة على الإيرانيين وميليشياتهم.
إلا أنه في هذه الفترة من عمر الصراع، فإن إقرار وقف إطلاق نار فاعل، بجانب تقسيم فعلي لسوريا إلى مناطق مختلفة للنفوذ والسيطرة، ربما يخدم مصالح بوتين. الواضح أن الروس حققوا بالفعل أهدافهم الرئيسية داخل سوريا، ذلك أن موسكو أصبحت اليوم قوة التحكم الرئيسية ونجحت في إنقاذ نظام الأسد وتأمينه، ويتمتع الروس حالياً بالقدرة على استغلال قواعد جوية وبحرية سورية. إضافة لذلك، فإن مصلحة روسيا تكمن في وضع نهاية للصراع، وليس معاونة نظام الأسد على استعادة «كل شبر». وتحتاج روسيا إلى تركيا لضمان تحقيق وقف إطلاق نار حقيقي، نظراً لما تتمتع به من نفوذ لدى قطاع مهم من المعارضة السورية. وبالتأكيد تحتاج كذلك إلى بعض الدول الخليجية، بالنظر إلى قدرتها على التأثير على عناصر أخرى من المعارضة، وهي أقل احتمالاً بكثير لأن توافق على أي مقترح يبدو أنه يعزز الموقف الإيراني داخل سوريا.
وهنا، يظهر التساؤل المثير الذي يفرض نفسه على الإدارة الأميركية: هل ستوضح للروس أن استعداد واشنطن للتعاون معهم يعتمد على إقصائهم أنفسهم عن إيران؟ في الواقع، يشكل ذلك معياراً مهماً لتحديد ما إذا كان التعاون مع الروس سيساعد بالفعل في النضال ضد «داعش». وحال سعي الروس للاعتماد على الإيرانيين وميليشياتها بجانب قوات نظام الأسد داخل الرقة أو الباب، فإنه يكاد يكون في حكم المؤكد أنهم بذلك سيؤججون المشاعر الطائفية التي أدت لظهور «داعش» بادئ الأمر. ورغم أنه ما تزال بعض القضايا عالقة بين الإدارة الأميركية وتركيا ووحدات حماية الشعب الكردية التي سيجري الاعتماد عليها في تحرير الرقة، فإنه حال اختيارها التعاون مع روسيا في محاربة «داعش»، في الوقت الذي تعتمد فيه الأخيرة على إيران، فإن ذلك سيخلق تناقضاً في سياساتها: فمن الصعب تقليص النفوذ الإيراني بالمنطقة إذا ما كان يجري تعزيزها داخل سوريا.
وهنا يظهر التساؤل: هل ستستعيد إدارة ترمب الشراكات التقليدية داخل المنطقة؟
بالتأكيد، بعثت الإدارة الجديدة بإشارة مطمئنة إلى الدول العربية الكبرى وإسرائيل في هذا الشأن: ذلك أنها لم تبد تردداً حيال التزام نهج صارم تجاه الإيرانيين في العلن. في المقابل، فإن إدارة أوباما كثيراً ما بدت مترددة إزاء الإقدام على أي خطوة قد يراها الإيرانيون استفزازية، خوفاً من أن تعزز في النهاية موقف المتشددين داخل إيران.
أما اليوم، فقد اختلفت النبرة تجاه إيران، بعد أن وجه الرئيس ومستشاره للأمن الوطني إنذاراً لها رداً على إجرائها اختباراً لصواريخ باليستية. وبالتأكيد سيراقب الجميع للتعرف على ما يعنيه هذا «الإنذار» عملياً إذا ما أجرى الإيرانيون اختباراً صاروخياً آخر أو تورطوا في أي سلوك آخر استفزازي.
إلا أن القضية الأهم بالنسبة لحلفاء أميركا التقليديين بالمنطقة هي ما إذا كانت سياسة الإدارة تجاه طهران ستتسم بالتناغم. هل تقبل الإدارة بفكرة أن ثمة صراعا أكبر حول توازن القوى داخل المنطقة ما بين إيران من ناحية وشركاء واشنطن، وهل لديها استعداد للعمل معهم للحد من النفوذ والتهديدات الإيرانية بمختلف أرجاء المنطقة؟ ويستلزم ذلك العمل على احتواء الإيرانيين وميليشياتها داخل سوريا، وليس التواطؤ مع جهود تعزيز قبضتهم. كما يتطلب ذلك من الإدارة الأميركية التخطيط مع شركائها لصياغة خيارات جديدة للتصدي لاستغلال إيران للميليشيات الشيعية ورفع تكاليف السلوك العدواني بالنسبة لها. وتلوح نقطة بداية جيدة لهذه الجهود في الشروع في وقف شحنات الأسلحة الإيرانية بمختلف أرجاء المنطقة.
وبطبيعة الحال، إذا ما كانت الإدارة عاقدة العزم على استعادة الشراكات التقليدية، فإنها بحاجة للتركيز ليس فقط على التصدي للإيرانيين، وإنما كذلك على ما يمكنها تقديمه لشركائها المحوريين في المنطقة، كيف ستعمل معهم على المستوى الثنائي؟ هل لديها استراتيجية للعمل الثنائي ومتعدد الأطراف بهدف دعم الاقتصاد المصري؟ هل بمقدورها إيجاد سبل لترجمة التعاون الثنائي الأمني إلى آليات دفاع أكثر جماعية وتكاملية؟
8:2 دقيقه
TT
هل تستعيد إدارة ترمب الشراكات التقليدية بالمنطقة؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة