د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

منظمات المجتمع المدني في الخليج

أكدت دراسة مسحية قام بها معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية بجامعة قطر لصالح اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أن نقص الخبرة، وقلة الوعي المجتمعي، واللوائح والروتين الإداري، وغياب التعاون بين المنظمات، تتصدر تحديات منظمات المجتمع المدني.
وأشارت الدراسة إلى أن غالبية المنظمات العاملة في قطر، تعتبر نفسها «منظمات خدمية» بنسبة 54 في المائة، مقابل 23 في المائة منها تعتبر نفسها «منظمات حقوقية دفاعية»، فيما تصف 15 في المائة من المنظمات نفسها بأنها «جمعيات مهنية»، وأقل من ثمانية في المائة ذكرت أنها تعنى «بالمرأة أو الطلاب أو الشباب». وأن المشاكل الاجتماعية تتصدر الشكاوى التي تتلقاها تلك المنظمات أو الجمعيات.
وكانت الدراسة، التي نشرتها جريدة «الراية» في 14-4-2014، قد هدفت إلى فهم دور وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق أهدافها الأساسية، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، والرقابة على أوضاع حقوق الإنسان، بالإضافة إلى التعاون مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية. (انتهى).
إن مصطلح «المجتمع المدني» ملتبس في العالم العربي! ففي حين يراه البعض سياسيا في المقام الأول، ويسعى لإرساء حقوق المواطنين والدفاع عنها، وتفعيل القوانين الضامنة لحق المواطنة وكرامة الإنسان ونيله حقوقه كاملة في ظل دولة العدالة، فإن آخرين يرون في هذا المصطلح عنوانا أو مظلة للخدمات الإنسانية أو الإعانات Charity التي تؤكد التكافل الاجتماعي المعتمد على تقديم الخدمات والمعونات في المقام الأول؛ لذلك نشأت فكرة التعاونيات الاجتماعية من هذا المنطلق أو الفهم، بل وقامت الدول بإنشاء بعض هذه المنظمات التي سميت «مدنية»، لكنها في الأصل هي منظمات حكومية ومن يعملون فيها يتقاضون أجورهم من الدولة. وهذا ما عرف في الدوائر الحقوقية بـ«المنظمات الحكومية غير الحكومية».
يقول ويليام فان دوسن ويشهارد في بحثه عن التوجهات العالمية التي تعيد تشكيل المجتمع المدني: «المجتمع المدني ليس مجرد بنية تستنبطها مجموعة معزولة من المفكرين. إنه التعبير الاجتماعي لشعب يتطلع للوصول إلى أفق بعيد، شعب تربطه روابط لا تنفصم من الأخوة والهدف المشترك، ويترك النبض الأزلي للحياة ليدفعه إلى مستويات أعلى من الوعي والإنجاز». (بناء مجتمع من المواطنين، 2003. ص152).
وبهذا التعريف يمكن تحديد مقاصد المجتمع المدني، بعيدا عن الطروحات الضيقة التي تمليها ظروف المؤسسات الخدمية الإنسانية.
ويرتبط تطور المجتمع المدني أساسا بالتعليم؛ إذ كلما كان التعليم ناجحا ومؤثرا في المواطن، كان تفهم دور المجتمع المدني أكثر قبولا لدى شرائح المجتمع. وفي هذا المناخ تتحقق المواطنة. يقول «اللورد بروغهام»: «التعليم يجعل قيادة الناس أسهل، ولكن سوقهم أصعب، وحكمهم أسهل، لكن استعبادهم مستحيلا». (المصدر السابق).
ومن المعروف أن المجتمع المدني تحكمه الدولة في ظل القانون، وهو أداة توازن بين سلطة الدولة وأجهزتها التنفيذية وبين الجمعيات التي تمثل المجتمع المدني على أسس التطوع والإيثار لخدمة المجتمع وتنويره بحقوقه الأساسية، التي قد لا تتحدث عنها وسائل الإعلام بصورة كافية. كما أن الوجه الآخر للمجتمع المدني هو الممارسة الديمقراطية الليبرالية، وضمان حقوق الجميع في إطار من العدالة والمساواة، وأن منظمات المجتمع المدني لا تعمل في معزل عن عمل مؤسسات الدولة، بل تعاضدها وتقوي من أداء تلك المؤسسات.
لكن الاختلاف ينبع من خلال وضع الأهداف وتفسير المبادئ التي تسير عليها المنظمات الخاصة بنشاطات المجتمع المدني؛ لذلك وجدت الدراسة المشار إليها آنفا أن «قلة الوعي المجتمعي» من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى وجود ما نسبته 54 في المائة من المبحوثين يعتقدون أن تلك المنظمات «منظمات خدمية»، في مقابل 23 في المائة يعتبرونها «منظمات مهنية».
وبرأينا أن القضية قضية ثقافية في المقام الأول، وإن كانت وراءها دوافع إنسانية واجتماعية تسير وفق نسق تفكير أي مجتمع، ودرجة وعيه (كما نتج من الدراسة)، ورؤيته الشاملة للعمل المدني.
إن عمل المؤسسات الخيرية، رغم سمو مقاصده النبيلة، لا يمكن أن يقارن بالمفهوم الليبرالي للعمل المدني الذي يسعى إلى رفع كفاءة الإنسان وزيادة وعيه لاستنباط وسائل جديدة لأنماط الحياة، وتحديد العلاقة بين السلطة والمواطنين، وتنوير المواطنين بحقوقهم، كما يضمنها القانون المحلي، وبما يتماشى مع المواثيق الدولية التي تعزز حقوق الإنسان وتحفظ كرامته.
وهنالك خلط واضح في منطقة الخليج العربي في تحديد مفهوم المصطلح، ويحتاج الأمر إلى نقاش طويل وعميق في وسائل الإعلام بحيث يتفهم أفراد المجتمع خاصية وأهداف المجتمع المدني.
* أكاديمي وإعلامي قطري