طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

منصة عربية في برلين

عرف الوطن العربي ثقافة المشاركة في المهرجانات منذ بداية انطلاقها في العالم، وهكذا وجودنا بفيلم «وداد» إخراج الألماني فيرتز كرامب بطولة أم كلثوم في الدورة الثالثة من أقدم مهرجان عرفه العالم «فينسيا» عام 1935، وفي الدورة الأولى لمهرجان «كان» 1946 شاركنا بفيلم «دنيا» إخراج محمد كريم بطولة راقية إبراهيم وفاتن حمامة، صحيح أننا قد تأخرنا في دخول عالم المهرجانات السينمائية، حيث إن أول مهرجان عرفناه كعرب يتجاوز الحدود الوطنية، ويثبت نفسه وحضوره إقليميًا ودوليًا في تونس «قرطاج» 1966، حيث إن مهرجان «القاهرة» الدولي انطلق بعده بعشر سنوات.
إلا أننا نشارك بين الحين والآخر بالوجود في الفعاليات للمهرجانات العالمية الكبرى، صحيح أن حصيلة الجوائز قليلة جدًا لا تتناسب مع طموحنا، إلا أن اللغة وأيضًا القضايا العربية صارت مع الزمن تُشكل ملمحًا لا يمكن إنكاره، العالم العربي خصوصًا في الخليج العربي شهد أيضًا الكثير من المهرجانات، منذ انطلاق مهرجان «دُبي» 2004، وبديهي أن يحتل الفيلم العربي مقدمة «الكادر» في المهرجانات العربية مع اختلاف الدرجة بالطبع، إلا أن الأروع أن تجد هذا المذاق يبدأ في البزوغ دوليًا، وهكذا أرى مهرجان «برلين»، ومن خلال متابعتي في السنوات الأخيرة للفعاليات والضيوف ولجان التحكيم، أجد أنه يدشن نفسه لكي يصبح الواجهة الأولى لانطلاق السينما العربية، عدد الضيوف الذين تتم دعوتهم، وأيضًا المشاركات العربية في المهرجان من أفلام ولجان تحكيم، كما أنه في «اللوجو» المصاحب للمهرجان يضع اللغة العربية بين أهم سبع لغات عالمية.
قد تجد أحيانًا حفاوة مرتبطة بلحظة تاريخية، وكأنها رد فعل، مثلاً بعد ثورات الربيع العربي، مهرجان «كان» بحكم انطلاقه في مايو (أيار) 2011، لأنه الأقرب زمنيًا إليها، فهو أول من احتفى بها، وهكذا شاهدنا أفلامًا من تونس ومصر وسوريا وليبيا، إلا أن هذا الوجود له منطقه اللحظي، بينما ما أراه في «برلين» كما يبدو لي يتجاوز ردود الفعل، ليصبح هو الفعل، فهو قرار استراتيجي لا يعبر فقط عن الإدارة الحالية، لكنه يشكل ملمحًا دائمًا للمهرجان، ليس مجرد حالة نعايشها في دورة استثنائية، لكنه يؤكد عن توجه حميم، لا يمكن سوى أن نرصده.
بالطبع لو حسبتها إعلاميًا ستجد أن مهرجان «كان» على الساحة العربية، وخصوصًا المصرية يسرق الكاميرا، حتى إنه ومنذ نهاية الثمانينات وحتى قبل نحو 5 سنوات، كان مقصدًا لعدد كبير من النجوم والنجمات، صار يشكل فرصة ذهبية لإعلان الحضور في «الميديا»، ستجد بين النجمات تحديدًا من كانت تصطحب معها فريقًا من المشجعين لبث صور صعودهن على سلالم قصر المهرجان، إلا أن هذا بالطبع يدخل تحت طائلة الإعلان و«البروباغندا» التي يدفع النجوم ثمنها من جيوبهم، وقد يتورط الإعلام في ذيوعها، كل ذلك مع الزمن ينقشع سريعًا، والدليل أننا أصبحنا من النادر جدًا حاليًا أن نرى نجمًا عربيًا يتجول في شوارع «كان» أثناء المهرجان.
أغلب المهرجانات العربية تفضل أن تعلن عن فعاليتها القادمة من منصة «كان» مثل «دبي» و«القاهرة» و«قرطاج» بواسطة أجنحة يحرصون عليها داخل السوق، ولكن «برلين» هو الذي يمنح تلك المساحة الخاصة والدافئة للسينما وللوجود العربي في كثير فعالياته ولجانه وضيوفه، لا أستبعد مع الزمن أن تتسع الرؤية أكثر ليصبح هو المنصة الرئيسية الدولية للسينما العربية التي نُطل منها على العالم، فكل البدايات تؤكد ذلك.