"وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ".. فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يروم رؤية الكعبة والطواف حولها، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار. لكن حج هذا العام حج من نوع آخر، عند وصولك الى جدة تشاهد تنظيما جميلا لاستقبال الآلاف من الحجاج في صالات الوصول بمدينة الحجاج. قابلني عسكري الجوازات بابتسامة عريضة قال لي سوداني بريطاني ومتزوج من انجليزية: والله أنت سعيد، قلت له شكلك تعبان من السهر، أجابني لم أنم منذ أمس وأنا في خدمة الحجاج، فقلت له والله تقومون بدور عظيم لضيافة الملايين من الناس. فقال لي هذا واجب. وعند خروجنا كأفواج من المطار وجدنا أمامنا عددا كبيرا من الحافلات مصطفة في نظام بانتظار الحجيج لنقلهم الى أماكن اقامتهم في مكة. وأمام الحرم المكي تجد ايضا جنودا من الشباب يوجهون الحجاج بكل اللغات وتنظيم الدخول الى الحرم حتى لا تكون هناك زحمة أمام بوابات الحرم.
لفت انتباهي في حج هذا العام "السيلفي" معظم الحجاج من افغنسان وباكستان والهند والصين والسودان ومصر وجميع الجنسيات يحملون هواتف ذكية من "سامسونغ - وآي فون" ينقلون مشاعر الحج مباشرة على الهواء الى أهلهم وذويهم حتى يشاهدوا معهم مناسك الحج من أمام الكعبة أو في الصفا والمروة أو داخل الحرم، حتى إخواننا أبناء النيل، فتسمع واحدا يتحدث مع "طانطي" بالوتس آب" انا داخل الحرم (يا طنطي، وآخر انا في الصفا والمروة (يا زلما).
ما كتبته أعلاه، وما سيأتي بعد هذه الأسطر، هي مشاهدات حاج لـ"أول مرة". يسمع كثيراً، ويقرأ كثيراً، لكن هذه المرة شاهد عن قرب. فأنا أعيش في المملكة المتحدة، وفي لندن تحديداً، منذ قرابة عقدين من الزمن.
فحج هذا العام كان حجا "ريلاكس جدا" ومنظما بشكل مذهل، حتى انعكس ذلك على الفوج الاندونيسي؛ فالحجاج كانوا يمرون بزي موحد تحت راية وشعار واحد، تنظيم جميل كجيش اسلامي يستعد لمعركة "معركة الايمان والخشوع" لأداء المناسك، وكلما يمرون أمام فوج "ابناء النيل" كانوا ييرفعون أصواتهم أمامهم بالتكبير "الله أكبر.. الله اكبر" اعجابا بالتنظيم.
وعلى الرغم من ارتفاع حرارة الشمس، إلا ان حرارة استقبال الجنود الشبان للحجيج بالماء ورشات المياه أذهبت سخونة الجو وأطلقت العنان للسيلفي.. "سيلفي أمام الشيطان" أو رمي الجمرات شيء طبيعي من دون زحام. كل هذا بفضل التوسعة الجديدة والتنظيم الجيد. صراحة كنت خائفا من الزحام في رمي الجمرات في اليوم الاول للحج، لكن كانت المفاجأة وجدت نفسي أمام الحائط من دون مشاكل، قلت لنفسي هذا غير طبيعي لكن كل هذا يرجع للتنظيم الدقيق لعملية رمي الجمرات، حيث هنالك ثلاثة طوابق كل فوج يمر بطابق معين ويخرج من طريق آخر بنظام جميل وانسيابية منظمة لحركة الحجاج. كانت تعجبني (كلمة حجي) من العساكر حين يشاهدون خللا في النظام.
كان الفوج يخرج من خيم منى المكيفة والمنظمة بطريقة جميلة. هنالك خيم دول اوروبا واميركا وتركيا واستراليا في منطقة، ودول آسيا وأفريقيا والدول العربية في جهة أخرى.. كانت على صدر وساعد كل حاج بياناته الخاصة به ومنطقة سكنه. وسائل الاتصال سهلت على الحجاج مع التنظيم الجيد عدم الضياع في أماكن سكنهم.
بعض الحجاج يحتاجون الى توعية وتثقيف على كيفية أداء المناسك بصورة احسن، هناك شراسة وقوة دفع من بعض الجماعات التي تعتبر أن الحج حق لها فقط وليس لغيرها، مثل هؤلاء هم الذين يخرقون النظام ويعرقلون سير الآخرين من دون سبب فقط لجهلهم بأن الجميع هم حجاج الله، وان الكل يؤدون المناسك؛ فمثل تلك السلوكيات تشوش أحيانا على الآخرين، لكن رجال الأمن كانوا لهم بالمرصاد (حج ياحج) (ياحجي لاتوقف سير سير).
فكرت لحظة ان أصل الى الكعبة لكي ألمسها بيدي، وفجاة شعرت بقوة دافعة من الخلف تكاد تخترقني.. مثل هذه السلوكيات هي التي تؤدي الى التزاحم والتدافع الذي لا مبرر له فقط. فبنوع من التنظيم كل واحد يأخذ فرصته في لمس الكعبة وحتى تقبيل الحجر الأسود.
في مدينة الرسول كانت رحلتي الأخيرة بعد قضاء مناسك الحج وتعتبر "طيبة" راحة نفسية وروضة من رياض الجنة.
TT
الحج «السيلفي»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة