وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

بين البيت الأبيض والبنتاغون

ما كادت ساعات معدودة تنقضي على إعلان «اتفاق الهدنة الروسي - الأميركي» في سوريا حتى ظهرت بوادر تداعيه وخروج موسكو على روحية ما بدا، وكأنه منطلق تعاون ثنائي على تسوية سياسية في سوريا.
التوتر المستجد على العلاقات الأميركية - الروسية قد لا يكون وليد ساعته. إلا أن عبرته تكمن في خروجه إلى العلن قبل قليل من الموعد المضروب لتنسيق الحملات الجوية الأميركية - الروسية المشتركة على فصائل المعارضة السورية «المتطرفة»، وعقب اتهام موسكو الطيران الحربي الأميركي بقصف وحدة من الجيش النظامي السوري، جنوب دير الزور «عمدا» لا خطئا كما أكدت واشنطن. (واللافت في هذا السياق أنه لم يسبق لموسكو أن استنكرت أيا من الأعمال غير الإنسانية التي مارسها النظام السوري ضد المعارضة، بما في ذلك اللجوء إلى السلاح الكيماوي في غوطة دمشق عام 2012).
ولكن إذا كان ثمة عبرة سياسية «لأدبيات» التراشق الكلامي بين المندوبين الأميركي والروسي في مجلس الأمن فقد تكون حاجة واشنطن وموسكو إلى هدنة بينهما، أولا.. قبل الحديث عن هدنة في سوريا. (المندوب الروسي اتهم الولايات المتحدة بـ«الديماغوجية» في حين اتهم المندوب الأميركي روسيا بـ«النفاق»).
واضح من حدة الشجار السياسي في مجلس الأمن أن دعوة روسيا الولايات المتحدة إلى التعاون في سوريا، لم تكن دعوة «مشتاق إلى مشتاق» بقدر ما كانت دعوة «محتاج إلى محتاج».
ولكن السؤال يبقى من الأكثر حاجة للآخر في سوريا؟
إذا صحّ استخلاص حصيلة سياسية - عسكرية من عمليات العام المنقضي على تدخل روسيا المباشر في سوريا، لجاز الاستنتاج بأن روسيا نجحت في ترجيح كفة قوى النظام وحلفائه في المواجهات العسكرية مع المعارضة، ولكنها فشلت في وضع حدّ للعمليات الحربية، واستطرادا في التمهيد لتسوية سياسية للنزاع السوري.
من هنا، حاجة روسيا الضرورية لضمان شكل من أشكال التعاون الأميركي في الحرب كما في التسوية. ولكن إذا كانت موسكو توصلت إلى إيجاد «قاسم مشترك» مع واشنطن على صعيد التعاون الحربي - أي التصدي للإرهاب التكفيري الذي يقضّ مضجعي العاصمتين - فإن الاتفاق على «مصلحة مشتركة» في التسوية السياسية أكثر صعوبة بكثير، طالما استمر تمسك موسكو ببقاء بشار الأسد في سدة الرئاسة السورية حتى إلى ما بعد الفترة الانتقالية المقترحة للتسوية، إضافة إلى علم واشنطن بأن الدول العربية الصديقة للغرب لا تحبذ بقاءه، ما قد يشجع كثيرا من فصائل المعارضة على رفض إلقاء سلاحها قبل تخليه عن السلطة.
أوساط الحكومة الروسية، وبعض المسؤولين العسكريين في موسكو، يتهمون وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بمعارضة تنفيذ اتفاق الهدنة - الذي جرى التفاوض عليه مع وزير الخارجية جون كيري - وأبدوا مآخذ علنية عليه (الأمر الذي حمل عضو الأركان الروسي، الجنرال سيرغي رودكوف، على التساؤل: «من صاحب القرار في واشنطن؟ البيت الأبيض أم البنتاغون؟»).
ربما تختلف حسابات البنتاغون في سوريا بعض الشيء عن حسابات وزارة الخارجية حيث تحبذ إعطاء التحولات الميدانية مزيدا من الوقت للتبلور، وفق معادلة أكثر قبولا من الغرب قبل الالتزام بهدنة تحوّل روسيا إلى اللاعب الرئيسي في التسوية السورية، وربما في مستقبل الشرق الأوسط لاحقا. وغير خاف أن واشنطن تراقب، وإن بحذر، استراتيجية جبهة «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقا)، وجدية استعدادها المعلن لقطع علاقاتها بـ«القاعدة» والتحالف مع فصائل المعارضة المعتدلة التي تؤيدها الولايات المتحدة.
وليس من المبالغة في شيء القول إنه في حال تجاوز واشنطن الممارسات الوحشية لـ«جبهة النصرة» في حرب سوريا الأهلية، فإن احتمال اعتدالها وانضوائها إلى صفوف «الجيش السوري الحر» - إن تم فعلا - من شأنهما إعطاء الولايات المتحدة ورقة ضغط مؤثرة تلعبها في وجه روسيا بحيث تتيح لها أن تصبح صاحبة القرار الرئيسي في التسوية النهائية للنزاع السوري.