يقصد بالتهويدة، الترنيمة التقليدية أو المرتجلة التي ترتجلها كثير من الأمهات لتهويد أطفالهن وتنويمهم. يسمونها في العراق «ليلوّة» ويسميها الإنجليز «lullaby». ولا شك في أن كل الأمهات عبر التاريخ وقبل التاريخ قد استعملن التهويدة لتهدئة أطفالهن وتنويمهم. وهنا ذكر البروفسور الباحث صموئيل كريمر أن أول تهويدة عثر على نصها الباحثون كانت في سومر جنوب العراق. لم تكن واحدة، وإنما مجموعة من التهويدات، ولا عجب، ففي العراق تحتاج المرأة إلى كثير من التهويدات لتجعل طفلها، بل وحتى زوجها، يستسلم للنوم.
يشير هذا الباحث الأميركي الخطير إلى الصعوبة الكبيرة في ترجمة هذه التهويدات السومرية، واستقصاء حروفها، وبالطبع نغمتها. وليساعد الله المترجم العربي! فكما يعرف أي أب، فإن الأم كثيرًا ما ترتجل كلمات وأصواتًا لا معنى لها ترمي إلى تهدئة الطفل وتنويمه بمجرد إيقاعها وتصويتها. ولكن كريمر لاحظ أن الأم السومرية كانت لا تخاطب طفلها كما تفعل نساؤنا، وإنما في الغالب تخاطب «سلطان النوم» وتتوسل إليه أن يزور عيني ابنها أو ابنتها، أملاً في النوم الهادئ، كما في هذه التهويدة التي يرجع تاريخها إلى نحو خمسة آلاف سنة.. تترنم الأم فتتوسل للنوم وتقول:
تعال يا نوم. تعال أيها النوم
تعال إلى حيث تجد طفلي راقدًا
أسرع أيها النوم وزرنا حيث يهجع ولدي
دعه يغلق عينيه اليقظتين
ضع يدك على عينيه المكحلتين
وبالنسبة للسانه الذي لا ينقطع من التصويت
فأمسك به ولا تدعه يوقظ العينين!
وتمضي الأم السومرية لتهدهد طفلها المريض،
وتعده في هذه الحالة بأن النوم سيملأ حضنه بقطع الحلوى والجبن المحلى والخس الطري المقتطع من الحديقة فيشفيه من علته:
النوم سيملأ حضنك بالحلوى
وأنا سأحلي لك قطع الجبن الصغيرة
هذه القطع الصغيرة التي تشفي الرجال الكبار
وفي تهويدة أخرى تخاطب الطفل، فتقول:
في أغنية تهويدتي سأجلب زوجة لطفلي
وستلد له ولدًا رائعًا
وتسهر الخادمة الحلوة على طفله البديع
وترضع الطفل من ثديها
ويستمر البروفسور كريمر في الاستشهاد بمزيد من هذه التهويدات السومرية، بما يلفت نظرنا إلى كيف تطوع الكاتب السومري ليحفر كل هذه الأشعار على الألواح الطينية، ونحن لا نجد في أدبنا العربي أي شيء من الاهتمام بهذا.