تخضع النجاحات الطبية في تقديم الخدمة الأمثل للمرضى، لقانون بسيط، مفاده أن التخطيط السليم والعمل المتخصص الدؤوب يُعطي ثمارًا جيدة تظهر بشكل واضح في تحسن أرقام مؤشرات الأداء (KPI)، وهذا ما ينطبق على تطور الخدمات الإسعافية.
وضمن عدد يوليو (تموز) من مجلة «الشؤون الصحية» Health Affairs عرض الباحثون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو نتائج مراجعتهم التغيرات في معدلات الوفيات بأقسام الإسعاف بالولايات المتحدة عبر العقود الماضية. ولاحظوا في نتائج دراستهم أن الوفيات في أقسام الإسعاف بالمستشفيات الأميركية انخفضت بمقدار النصف خلال الـ15 عامًا الماضية، وأن ثمة عوامل إيجابية أسهمت في تكوين هذه النتيجة الرائعة في تراجع أعداد الوفيات.
وكان الباحثون الأميركيون قد قاموا بتحليل المعلومات المتعلقة بنحو 368 ألف زيارة عشوائية لمرضى بالغين لأقسام المستشفيات خلال الفترة ما بين 1997 و2011، وذلك عبر تحليل بيانات «المسح الوطني للعناية الطبية الإسعافية»National Hospital Ambulatory Medical Care Survey، ووجدوا أن وفيات المرضى أثناء وجودهم في أقسام الإسعاف تلك انخفضت بمقدار 48 في المائة. وهو ما علق عليه الدكتور كيفن روجرز، رئيس الأكاديمية الأميركية لأطباء الطوارئ، بالقول: «إنها دراسة جيدة استخدمت معلومات قاعدة بيانات جيدة للحصول على أفضل النتائج الإحصائية».
وأفاد الباحثون بأن التطور الطبي بالعموم، وتطور طب الطوارئ، إضافة إلى تطور تقديم الرعاية الطبية المنزلية ورعاية المسنين Home Hospice Care والتغيرات الإيجابية في وضع برامج رعاية نهاية الحياة End - Of - Life Care هي من بين العوامل التي يُمكن من خلالها تفسير هذه النتائج الإيجابية. وعلق الدكتور هيمال كانزاريا، الباحث الرئيس في الدراسة وأستاذ طب الطوارئ المساعد بجامعة كاليفورنيا، بالقول: «دراستنا الطبية هذه هي من نوع الدراسة الوصفية، وتبحث أساسًا في معرفة اتجاهات ومخرجات تقديم نوع من أنواع الرعاية الطبية. واكتشاف أن ثمة انخفاضًا بمقدار نحو 50 في المائة هو أمر مثير للبحث والتفكير في الأسباب، وأعتقد أن ثمة الكثير من التفسيرات الممكنة. ولذا فإن انخفاض احتمالات الموت في قسم الطوارئ يستحق أن يتم تسليط الضوء عليه لمعرفة كيفية حصول هذا الأمر».
ولاحظ الباحثون من مجمل نتائج المراجعة للوفيات في أقسام الإسعاف خلال الخمس عشرة سنة أن المتوفين كانوا من بين مرضى زيارة أقسام الإسعاف الأكبر سنًا، وأعلى بين الذكور، وكانوا يُعانون بشكل أكبر من مشكلات صحية متقدمة في تطور المرض لديهم أو في عمق إصابات الحوادث التي أصابتهم. وأضافوا أن في 63 في المائة من زيارات المرضى للإسعاف التي انتهت بالوفاة كان ثمة حدوث لحالة توقف القلب أو فقدان للوعي أو وفاة حال الوصول إلى قسم الإسعاف، مما يُقلل من احتمالات توفر فرص عالية لإنقاذ أرواحهم. ومن بين أعلى أنواع الأعراض أو شكوى المريض لدى أولئك الذين حصلت وفاتهم في قسم الإسعاف الشكوى من ضيق في التنفس أو ألم في الصدر أو الإصابة بحوادث بالغة.
وقال الدكتور كانزاريا: «كطبيب ممارس لطب الطوارئ أرى أن ثمة تحولات اجتماعية وتحولات في الرعاية الصحية، أمكنها أن تسهم في حصول هذه النتائج لانخفاض الوفيات بأقسام الطوارئ. وتشمل في جانب منها عنصر الزيادة في استخدام خدمات الرعاية الطبية الملطفة Palliative Care Services، التي من ضمنها أن يتم تقديم الخدمات الطبية المنزلية وتسهيل وفاة المرضى الذين تتقدم حالتهم المرضية بالمنزل أو في مرافق الرعاية الطبية للمسنين بدلا من غرفة الطوارئ في المستشفى أو غرف المرضى المنومين. ولكن الأهم أن هناك أيضًا تحسينات هائلة جدا في طب الطوارئ على مدى العقدين الماضيين، ولذلك كانت هناك مكاسب كبيرة في إدارة التعامل مع عدد من الظروف الصحية مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية والالتهابات الميكروبية الشديدة والإصابات الخطيرة للحوادث».
والواقع أنه بالإضافة إلى تطور الطب في معالجة الأمراض التي تتطلب تصرفًا طبيًا علاجيًا سريعًا، وتطور الطب في مجالات توفير الرعاية الطبية خارج المستشفى، فإن ثمة تطورًا لآخر لا يقل أهمية عنهما، بل ربما عمل على وضع النقاط على الحروف، وهو تكوين تخصص طب الطوارئ. وقد يستغرب البعض عند معرفة أن طب الطوارئ كتخصص مستقل وله برامج تدريبية وشهادات تخصص مستقلة عن بقية التخصصات الأخرى، يُعتبر تخصصًا حديثًا نسبيًا. ويُفيد الموقع الإلكتروني لـ«البورد الأميركي لطب الطوارئ» ABEM، إلى أن تخصص طب الطوارئ يأتي في الترتيب التاريخي في المرتبة 23 كتخصص مستقل معترف به في الولايات المتحدة، وهو ما حصل في عام 1979. ويُضيف أن في الستينات زادت المطالبات بتحسين نوعية جودة الخدمات الطبية الإسعافية وأقسام الطوارئ بالمستشفيات، ومن ثم تشكلت الأكاديمية الأميركية لأطباء الطوارئ ACEP وركزت في عملها على تطوير برامج عالية في تخصص طب الطوارئ للأطباء، وفي عام 1975 اعترفت رابطة الطب الأميركية AMA بطب الطوارئ كتخصص مستقل عليه أن يخضع لمعايير الرابطة. وفي عام 1976 تم الاعتراف بالبورد الأميركي لطب الطوارئ وأُجري أول اختبار للأطباء في 1977 مكون من اختبار تحريري وشفهي للأطباء الراغبين في الحصول عليه. ولذا يرى كثير من المراقبين الطبيين أن تكوين هذا التخصص بشكل مستقل، ووضع برامج تعليمية وتدريبية له هما الأساس في ملاحظة التغير الملموس في نتائج العناية الطبية المُقدمة للمرضى في أقسام الطوارئ من قبل أطباء متخصصين فيه.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]
8:37 دقيقه
TT
طب الطوارئ ووفيات الإسعاف
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة