د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

لصحة أفضل.. تواصل الآباء مع أطفالهم ومراهقيهم

لخصت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال American Academy of Pediatrics عبارتها حول دور الآباء بالقول: «الآباء يلعبون دورًا فريدًا ومهمًا في نمو أطفالهم وتطورهم». وعبارة الأكاديمية كانت ضمن تقريرها المنشور في عدد 13 يونيو (حزيران) الحالي من مجلة طب الأطفال Pediatrics.
وأفاد التقرير ملاحظة الباحثين أن الآباء في الولايات المتحدة يقضون حاليًا وقتًا أطول مع أطفالهم، مقارنة بما كان عليه الحال في السابق، ويُشاركون بشكل أكثر فاعلية مما مضى في رعاية أطفالهم والعناية بهم، وهو ما يأتي متوافقًا مع كثير من نتائج الدراسات الطبية التي لاحظت في نتائجها أن مشاركة الأب في تنشئة الطفل والمراهق لها تأثيرات مهمة على تمتع الطفل بمستوى صحي أعلى وشعوره بالراحة في حياته، وهو ما يُطلق عليه بالمصطلح الطبي «وقت الأب» Dad Time.
وعلق الدكتور مايكل يوغمان، المشارك في صياغة تقرير الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، بالقول: « أيا كانت الزاوية التي تنظر منها إلى الأمر، فإنه كلما نجحنا في حثّ الآباء على قضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم، كان ذلك أفضل لهم ولوالديهم»، مضيفا: «وهو أمر مفيد للأطفال. والأب ليس مرادفًا ومساويًا للأم، وليس ما يفعله هو ترديد لما تفعله للأطفال أمهم». والدكتور يوغمان يرأس حاليًا لجنة الشؤون النفسية الاجتماعية لصحة الطفل والعائلة بالأكاديمية الأميركية لطب الأطفال.
وكانت نتائج كثير من الدراسات الطبية السابقة قد لاحظت أن الأطفال الأكبر سنًا ممنْ ساهم الآباء في تنشئتهم ورعايتهم بشكل مباشر هم أقل عُرضة للإصابة بالاكتئاب وأي اضطرابات سلوكية ونفسية أخرى، والفتيات بالذات منهن كنّ أقل عُرضة لحصول حالات «حمل المراهقات» Teen Pregnancy بينهن، ما يعني وقايتهن بشكل أقوى من أي سلوكيات اجتماعية خطرة.
ووفق الإحصائيات الحديثة هذا العام لـ«رابطة التخطيط الأسري» Family Planning Association في بريطانيا، فإن حمل المراهقات لا يزال مشكلة صحية واجتماعية عامة، وبريطانيا هي الأعلى في حمل وولادة وإجهاض المراهقات، مقارنة بدول غرب أوروبا الأخرى، بمعدل نحو 46 حالة لكل ألف مراهقة، وإن النسبة في الولايات المتحدة ارتفعت عام 2006 لأول مرة لتصل إلى حد 71 حالة لكل ألف مراهقة في عمر ما بين 15 و19 سنة، وثلث الحالات تلك تنتهي بالإجهاض. وقد انخفضت النسبة بالتدريج، لتبلغ في عام 2014 نحو 24 حالة لكل ألف مراهقة، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 9 في المائة عن الحال عام 2013، وفق ما أفاده تقرير مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بالولايات المتحدة CDC. وذكرت المراكز أن تكلفة الرعاية الصحية لحالات حمل المراهقات في الولايات المتحدة لعام 2010 تجاوزت 10 مليارات دولار.
وأضافت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، في تقريرها عن دور الآباء في حياة الأطفال والمراهقين، أن الآباء لهم دور حيوي في تطوير قدرات الحديث واللغة والنطق لدى أطفالهم، إضافة إلى نمو التطور النفسي بشكل أفضل لديهم. وأشار الدكتور يوغمان إلى أمر آخر مهم، وهو أن طريقة الآباء في اللعب واللهو مع أطفالهم ومراهقيهم تتميز وتختلف عن تلك التي تقوم بها الأمهات، مضيفا: «إنها صورة نمطية، ولكن أيضًا من الصحيح القول إن الآباء يقومون بممارسة نموذج أكثر تضمنًا للجهد في لعبهم مع أطفالهم ومراهقيهم، وهو ما يُشجع في كثير من الأحيان أبناءهم على استكشاف وتحمل المخاطر، في حين أن ما تقدمه الأمهات هو الاستقرار والأمان، ولذا ثمة متسع في الحجرة لكليهما فيما يُمكن أن يُقدموه للطفل والمراهق».
ووفق ما تشير إليه مصادر البحوث الطبية حول نفسية ونمو الأطفال والمراهقين، فإن الأطفال في مرحلة ما قبل دخول المدرسة يكونون أقل عُرضة للإصابة بأعراض الاضطرابات الصحية النفسية، مثل القلق والعدوانية، حينما يكونون قريبين من آبائهم، وينخرطون بشكل منتظم في التواصل معهم واللعب معهم. وشدد التقرير على أن المقصود ليس فقط الأب البيولوجي، أي الأب الفعلي، بل يشمل الأمر الجد والعمّ والخال ممنْ يبذلون جهدهم في رعاية الطفل والعناية به وتقديم نموذج الرجل العائلي في حياة الطفل.
وعلق الدكتور إيريك ليواندويسكي، المتخصص النفسي بمركز لانغوان لدراسات الطفل في نيويورك، قائلا: «حقيقة أن دور الآباء مهم في حياة الطفل ليس أمرًا جديدًا، بل معروف طبيًا، ولكن ما أفادنا به التقرير الحديث هو عرض نتائج الدراسات السابقة حول هذا الأمر بطريقة أفضل للفهم، والتقرير يحث الآباء على ضرورة قيامهم بدور أكثر فاعلية وأكثر أولوية في تقديم الرعاية للأطفال، وليس أن يكون دورهم ثانويا أو مساعدا».
وقال الباحثون في التقرير إن ثمة دلائل تشير إلى أن الآباء اليوم أكثر انخراطًا في فعاليات تقديم الرعاية للطفل وللمراهق، وربما ذلك بسبب بقاء الآباء في منازلهم لمدة أطول، وربما أيضًا لارتفاع نسبة الآباء العزاب Single Fathers الذين يعيش أطفالهم معهم. وكانت إحصائيات الولايات المتحدة قد لاحظت أنه في عام 2012 كان عدد الآباء العزاب أعلى بنسبة 60 في المائة عمّا كان عليه قبل ذلك بعشر سنوات، ونسبة الآباء الذين يمكثون وقتًا أطول في منازلهم Stay - At - Home Dads ارتفعت بمقدار 100 في المائة عمّا كان عليه الحال قبل عشر سنوات. واعترف التقرير بأنه لا تزال ثمة صعوبات قد يواجهها الآباء في التوفيق بين متطلبات رعاية الأسرة والأطفال ومتطلبات العمل.
وعرض التقرير أمثلة واقعية حول كثير مما يُمكن للآباء فعله للبقاء بقرب أطفالهم، مثل تناول الطعام معهم في المنزل أو خارجه، والذهاب معهم إلى نزهات في الحدائق ونحوها، ومشاركتهم في متابعة التحصيل الدراسي، وغيرها كثير، مؤكدا أن دور الأب يتجاوز بكثير مجرد تقديم الدعم المادي للأسرة والأطفال.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]