TT

الغوريلا الخفية

حينما يريد «نشال» أن يسرقك بسرعة البرق، فإنه يشتت انتباهك أولا. كأن يكسر كوبا يحدث صوتا يثير انتباه المارة. وهذا ما حدث لصديق ما كاد يضع رجله في مصعد، وإذا بمجموعة شبان يدفعونه إلى داخله، بطريقة تظاهروا بأنها غير مقصودة، فحشر بينهم. خرج من المصعد وإذا بمحفظته قد سرقت، لأن جل تركيزه كان منصبا على حالة «الانحشار» التي وجد نفسه فيها «فأعماه» ذلك عن المحفظة.
وهذا ما حدث مع العالم كريستوفر تشابريس وزميله في جامعة هارفارد في تجربتهما الشهيرة، التي طلبا فيها من المشاركين التركيز في فيديو على بضعة أشخاص يتبادلون تمرير كرتي سلة في حلقة دائرية. وطلب من المشاهدين التركيز بشدة لمعرفة كم مرة يمرر أصحاب القمصان البيضاء الكرة لزملائهم.
وبينما كان المشاهدون منهمكين في العد، نتيجة سرعة تمرير الكرتين، مرّ بين اللاعبين شخص يرتدي ملابس تنكرية لغوريلا. وحينما سئل المشاهدون عمّا إذا كانوا قد رأوا تلك الغوريلا، فلم يلاحظ ذلك عدد كبير منهم.
ومما تفسره هذه التجربة «العمى المؤقت» الذي يصيب المرء حينما يركز بشدة في أمر ما، فلا ينتبه إلى مثيرات أو أحداث مهمة تجري من حوله.
فكم من معلومات جوهرية كان يمكن أن توفر علينا وقتا وجهدا كبيرا، لم ننتبه إليها، لأننا كنّا منشغلين في مشاعر غيرة أو حقد أو حسد أو نميمة نمشي بها في أروقة العمل. كم من معلومة خاطئة كنّا نجزم بصحتها جاءت حقيقتها في ثنايا متحدث لم نعره آذانا صاغية. كم من نصيحة صادقة تجاهلناها بنرجسية فدفعنا الثمن غاليا.
ليس ذلك فحسب، إذ إن هناك من «يتعمد» تشتيت تركيزنا، مثل المدافع الذي يشتم أو يسحب «شورت» المهاجم ليشتت انتباهه عن تسجيل هدف محقق. وهناك من يتعمّد إشغال الرأي العام بقضايا سطحية ليواري قصور حكومته!
هناك أكثر من غوريلا خفية تمر في مسرح أحداثنا اليومية، بعضها يستحق الاستجابة، وبعضها لا يستحق عناء الالتفات.