باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

2016: عام الخيارات الصعبة

هل ستكون 2016، سنة سلام في الشرق الأوسط أم سنة أخرى من التقاتل بين المتنازعين والمتدخلين في النزاعات؟ سؤال يُسأل لا من قبيل المضاربة الفكرية التي يقوم بها المعلقون والمراقبون عند بداية كل عام جديد، بل لأن تطور الأحداث في الأيام الأخيرة بلغ حدًا تصعب المراوحة حوله، ويفرض حسمًا ما، عسكريًا أو سياسيًا، عاجلاً أم آجلاً.
لا داعي للدخول في تفاصيل الصراعات وأسبابها، والحديث عن مصالح وأهداف الدول المتدخلة فيها، فأي مواطن عادي يستطيع الإفاضة في الحديث عنها، إنما لا بد من التوقف عند بعض التطورات والأحداث المهمة الأخيرة التي استجدت، والتي باتت تضغط وبشدة على مجريات الصراع. أهمها في نظرنا المعركة التي يخوضها الجيش العراقي ضد «داعش»، وقرار مجلس الأمن، باتفاق روسي – أميركي، حول الجمع بين النظام السوري ومعارضيه على طاولة المفاوضات، والتفاهم والتعاون بين السعودية وتركيا، وإنشاء الحلف الإسلامي لمقاومة الإرهاب. ولا ننسى ارتفاع درجة التوتر بين الرياض وطهران، إثر تنفيذ أحكام الإعدام على إرهابيين بعد محاكمتهم وثبوت إدانتهم بأدلة.
فعلى الرغم من الدعم الأميركي الجوي والعملاني للجيش العراقي، فإن تضارب أخبار القتال في الأنبار يطرح سؤالين: الأول حول مدى الدعم الأميركي، والثاني حول طبيعة الحرب بين جيش منظم وميليشيات من جهة، وبين مقاتلين من جهة أخرى؟ مع العلم بأن هناك إجماعًا على القول بأن الحرب على «داعش» لا تكسب إلا بقوات على الأرض وليس من الجو.
أما في شأن جلوس ممثلي المعارضين والمقاتلين إلى طاولة المفاوضات مع ممثلي النظام، فإنه يفترض وجود وفد يمثل المعارضين المدنيين والمعارضين المقاتلين، وهذا ما لا يبدو سهلاً. ناهيك عن عقدة بشار الأسد التي ما زالت عالقة ومعطلة أي مفاوضات أو مهددة بإفشالها. ولا نغالي إذا قلنا إن أمر حل أو حلحلة هذه العقدة هو في يد موسكو وواشنطن، اللتين لا تشكل سوريا العقدة الوحيدة في علاقاتهما. بل ليست أكثر من ورقة يستخدمانها في حربهما الباردة.
أما الحلف الإسلامي لمقاومة الإرهاب الذي عملت السعودية وتعمل على إنشائه، فإنه يشكل في حال قيامه عملا جديا في مقاتلة التنظيمات الإرهابية، وخطوة مهمة في هذا المجال، وذلك لسبب بسيط؛ وهو أن الجنوح نحو التطرف والعنف والإرهاب من قبل تنظيمات سياسية تحت شعارات دينية، لا يعالج ولا يحجم أو يقاوم على يد دول أجنبية، بل على يد الدول والمجتمعات ورجال الدين والمفكرين المسلمين.
وأما اللقاء، والتعاون، بين الرياض وأنقرة، فإن أهميته لا تحتاج إلى دليل، فالسعودية وتركيا هما دولتان مسلمتان مهمتان في المنطقة التي تعمل إيران على فرض مشروع هيمنتها عليها. وقد يشكل خطوة أولى لانضمام مصر إليه وقيام كتلة عربية - تركية من مائتي مليون إنسان، وجيوش يصل عددها إلى المليون جندي. ومن هنا فإن تحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة بات أمرًا ضروريًا.
بطبيعة الحال، لن تترك روسيا ولا إيران (ولا إسرائيل) للدول العربية والإسلامية حرية دفع الأمور في اتجاه يؤمن مصالحها، وأهمها وقف التقاتل بين أبناء الوطن والمعتقد الديني المشترك. لكنهما لا تستطيعان تغذية التقاتل وتغليب مصالحهما وأهدافهما على مصالح الشعوب التي تعاني القتل والتشريد وهدم المنازل. وهنا يُطرح السؤال الذي يتقدم على كل سؤال آخر، وهو يدور حول اقتناع واستعداد المسؤولين العرب والمسلمين للتضحية من أجل الاقتراب من السلام، بدلا من الإيغال في قتال لا آفاق له.
من الصعب على أي مسؤول عربي أو دولي، بل على أي مراقب، الجزم بما سيحمله عام 2016 من مفاجآت أو أحداث تدفع بالقتال والتقاتل تصعيدًا أم تخفيضًا أم حسمًا. إلا أن كل شيء يؤشر على أن الصراعات في الشرق الأوسط، وعلى الأخص في سوريا والعراق، دخلت مرحلة من الخطورة والحدة تفرض إما الحسم العسكري، وإما الحلول السياسية.
الخيار في كلتا الحالتين ليس سهلاً وغالي الثمن.