د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

«ما شاء الله» بلكنة إيرانية

صيحة ما شاء الله (ما شا لوه) بصوت حماسي تتبعها عبارة «ما شاء الله» بالنبرة الإيرانية على هيئة صراخ من فرط الحماس. ما الذي يجري؟
تتجه الأنظار قِبلَ فلسطين، فلعل النظام الإيراني الذي ظل يمتطي القضية الفلسطينية طوال تلك السنين قد دفع بقاسم سليماني وفيلق القدس تتبعه قوات من الحرس الثوري لتحريرها. أليس قاسم سليماني الذي ظل يصول ويجول في العراق وسوريا قد قال: «إننا عشاق الشهادة، وإن الشهادة على خط فلسطين هي أمنية يتوق إليها كل مسلم شريف».
هل فعلها النظام الإيراني؟ تعود الآمال مخيبة.
ولكن فرط الحماسة وعبارات «ما شاء الله» (ما شا لوه) باللكنة الإيرانية ما زالت تصدح بها الحناجر. ما الأمر يا ترى؟
هل نجح النظام الإيراني في تحقيق التنمية والازدهار لتك المناطق والدول التي زرع فيها ميليشياته ووكلاءه. نلقي نظرة على العراق وسوريا واليمن وغيرها. والنتيجة؟
أتركها القارئ الفاضل.
ما زالت عبارة «ما شاء الله» (ما شا لوه) تصدح بها الحناجر.
تتجه الأنظار إلى الداخل الإيراني لعل النظام الإيراني أصدر بيانًا أبدى فيه أسفه على تلك الحملة الهوجاء مع بداية الثورة عام 1979، حين كانت هناك إعدامات بالمئات حتى بات النائب العام في إيران في تلك الفترة صادق خلخالي يُعرف باسم «جزار الثورة».
أو لعل عبارة «ما شاء الله» (ما شا لوه) جاءت بعد أن أدرك النظام الإيراني مدى ما ارتكبه من خطأ حين وضع مراجع دين كبار في إيران رهن الإقامة الجبرية حتى توفوا، ومنهم آية الله شريعتمداري، وآية الله منتظري، ولذا قرر رفع الإقامة الجبرية عن رجل الدين مهدي كروبي ومير حسين موسوي.
إطلاقًا، إنهما يشكلان تهديدًا أمنيًا ومحاولة لإسقاط النظام الإيراني حتى بات تيارهما يُعرف بتيار الفتنة. ولذا يحتفل النظام الإيراني في 30 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام بذكرى القضاء على ما يسميه الفتنة، التي صاحبت المظاهرات المعترضة على انتخاب الرئيس السابق أحمدي نجاد لدورة ثانية.
ما زالت عبارة «ما شاء الله» (ما شا لوه) باللكنة الإيرانية تصدح بها الحناجر. يتساءل القارئ: لماذا؟ وما المناسبة؟
ساعات قبل عبارة «ما شاء الله» (ما شا لوه).
بيان من الحرس الثوري يتوعد بأن يكون الرد سريعًا. لعل الإجابة اقتربت، حيث يبدو أن الحرس الثوري سيهب لنجدة النظام السوري من الضربات المتتالية، التي يتلقاها من الكيان الإسرائيلي، بعد أن فاض به الكيل من عبارة «نحتفظ بحق الرد».
خاب الظن من جديد، فهذا البيان القادم من الحرس الثوري، جاء بعد أن قامت السعودية بحقها المشروع وواجبها الملقى على عاتق قيادتها في حفظ سلامة وأمن السعودية ومواطنيها والمقيمين عليها، والذي أدى بموجبه إلى إعدام 47 إرهابيًا اعتنقوا الفكر التكفيري وحرضوا على قتل رجال الأمن.
زجاجة مولوتوف تصيب نافذة السفارة السعودية في طهران، تتبعها أخرى ويفرط الحماس بعبارة «ما شاء الله» (ما شا لوه). يتزامن مع ذلك أو قبله بقليل الاعتداء على القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية وتخريبها وإضرام النار فيها.
التصريحات من مختلف مؤسسات النظام الإيراني تُهدد وتتوعد، وذلك نتيجة أن يشاء الله أن يكون من بين قائمة 47 إرهابيًا شخصٌ يُدعى نمر النمر، عُرض على القضاء فثبتت التهمة عليه ونال جزاءه.
ظلت وسائل الإعلام الإيرانية تتنافس في نشر ردود الفعل الإيرانية تجاه إعدام نمر النمر، لتنجلي معها تلك الوسيلة والمطية التي يوظفها ويمتطيها النظام الإيراني، ليستمر في تدخلاته في المنطقة وهي مطية التوظيف المذهبي.
مطية تتضح أنها مجرد واجهة لمكنون ينم عن ذلك الحقد الدفين تجاه السعودية ومكانتها الدينية والإقليمية والدولية، وهو ما يدفع بمؤسسات النظام الإيراني إلى توظيف - ونؤكد هنا توظيف - أي حدث للنيل منها، ولعل حادثة منى وغيرها خير شاهد على ذلك.
ولا يتسع المقام هنا لذكر أمثلة لتلك التصريحات، ولكن ليتأكد القارئ أنها تعكس استغلالاً لحوادث وتوظيف له، وليس كما يدعي ويتوق له النظام الإيراني لأن يكون حاملاً لراية الشيعة في العالم، وهو ما يجعل وسائل إعلامه تبتعد عن الواقع فتشير في عناوينها وفي تصريحات المسؤولين الإيرانيين التالي: إعدام زعيم الشيعة في منطقة العرب (عربستان) من قبل آل سعود.
فلا هي تعترف بكيان دولة، ولا تعترف بحكومة وما تريده فقط أن هناك شيعة، وأنه تم إعدام زعيمهم. هذا هو مكنون النظام الإيراني ونظرته للسعودية وبطبيعة الحال سائر الأقطار.
كتبت مقالة في صحيفة «الشرق الأوسط» قبل عام، وتحديدًا بعنوان «إيران من النمر إلى سلمان» بعد أن أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض قرارًا بإعدام نمر النمر، وتناولنا مع القارئ في تلك المقالة جملة من التصريحات الإيرانية التي وظفت تلك الحادثة، وها هي من جديد تستغل هذا الحدث.
هكذا إذن يتجلى وبوضوح أننا حين ننظر إلى إيران، فإنه يتوجب القول إننا نتعامل مع مجموعة مؤسسات غير منضبطة في صورة دولة، وإنما يجمعها نظام هو النظام الإيراني الذي يترك مساحة لجميع تلك المؤسسات لتساهم بدورها، وتجعل من يأتي على رأس هرم السلطة التنفيذية عاجزًا عن السيطرة عليها، بل ويدخل رئيس هذه السلطة، ونقصد الرئيس، في حالة صراع في كثير من الحالات ليلقى نفسه الحلقة الأضعف بين تلك المؤسسات.
لا يعني ذلك أن السلطة التنفيذية ستغرد خارج سرب النظام الإيراني، ولكنها تعجز عن وقف تلك الهمجية في التعامل مع المواقف وإدارة الأزمات ليتصدر المشهد الحرس الثوري، ويبعث بزمرة من الباسيج ليعيثوا في حرمة المقار الدبلوماسية فسادًا. فالمشاهد تكررت مرارًا بدءًا من السفارة الأميركية، مرورًا بالسفارة البريطانية، وليس انتهاءً بالسفارة السعودية وقنصليتها.
حقد دفين وتوظيف ظاهر وجلي، ولن ينطلي بإذن الله على الشرفاء في أوطانهم التي تتسع لهم، ويشاركون بقية إخوتهم في تلك الأوطان في السراء والضراء، أما من انطلى عليه ذلك فنقول له: ماذا جنيت من ذلك سوى أنك ساهمت في توقف عجلة التنمية في وطنك؟!