زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

فتنة الأهرامات المصرية!

استمع إلى المقالة

شيَّد الفراعنة ما يقرب من 130 هرماً في مصر، منها أهرامات رئيسية استُخدمت كمقابر لدفن الملوك، وأخرى فرعية لدفن الزوجات الملكات والأميرات وأفراد من البيت المالك، إضافة إلى أهرامات أخرى أصغر حجماً كان لها عدد من الوظائف والمهام الطقسية والعقائدية.

وتمثل أهرامات الجيزة التي شُيدت في الأسرة الرابعة -خصوصاً في عصر الملك خوفو وخلفائه من بعده- ذروة التقدم الهندسي والمعماري في بناء الأهرامات، حتى إن هرم الملك خوفو المعروف بالهرم الكبير هو المعجزة الوحيدة الباقية على ظهر الأرض من معجزات العالم القديم.

وقد قيل في الأهرامات المصرية الكثير الذي يعبِّر عن مدى الإبداع العلمي الذي وصل إليه البنَّاؤون القدماء عند تشييدها. وعلى الرغم من أن أعمال البحث والدراسة التي تمت على الأهرامات المصرية لا يمكن حصرها؛ بل ويتسع ما نُشر عن الأهرامات ليغطي مكتبات كاملة من كتب ومقالات علمية لباحثين وعلماء قاموا بأعمال الحفائر داخل وحول الأهرامات، ومنهم من كشف عن كنوز ذهبية بداخلها، فإن هناك طائفة من الناس يرفضون القول بأن الأهرامات كانت مجرد مقابر للملوك!

والمشكلة الحقيقية ليست في أنهم فقط يشككون في بحوث علماء مصريات أفنوا سنوات عمرهم في البحث والدراسة، ولكنهم يروجون لنظرية المؤامرة على الحضارة، متهمين العلماء بأنهم يخفون عن الناس حقيقة الأهرامات المصرية! هؤلاء يرفضون العلم، ويميلون نحو الخرافة والوهم. يقولون تارة بأنَّ الأهرامات المصرية كانت مولِّدات للطاقة النظيفة! وإذا سألتهم: كيف؟ فلن يجيبوا بشكل علمي، ولكن سيتحدثون عن مواقع أهرامات الجيزة بالنسبة للنجوم والكواكب، ولن يستطيع أحد فهم علاقة ما يقولون بتوليد الطاقة. وهناك من يقول بأن الأهرامات عبارة عن أبراج اتصالات متقدمة مع سكان من كواكب أخرى. والبعض كذلك يقول بأن الأهرامات كانت مخازن متقدمة لحفظ الغلال في مصر، أي إنها صوامع للغلال.

يروج أصحاب النظريات الوهمية لآرائهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأصبح لهم أتباع يصدقونهم؛ بل ويدعمونهم، ويشجعونهم على الاستمرار في التشكيك في العلم –علم المصريات– الذي مر عليه الآن نحو قرنين من الزمان.

ومع الأسف الشديد، أصبحت حملات التشكيك في الحضارة المصرية لا تنال من الأهرامات فقط؛ بل وصلت حتى إلى أجساد الفراعنة أو المومياوات الملكية؛ حيث يروج البعض الآن أن حناجر المومياوات الملكية بها بيض من الحجر بداخله مادة اليورانيوم المشع! هذا غير كم لا يمكن حصره من الخرافات والأوهام، التي وإن كنا في البداية فسَّرناها بأن عظمة الحضارة الفرعونية قد أعجزت هؤلاء عن التصديق والفهم بأن أصحابها كانوا بشراً عاديين مثلنا، فبدأوا يهيمون في الخيال والوهم، فإن الملاحظ الآن دخول أطراف ليست حسنة النية، تحاول استخدام الأمر للتشكيك في كون المصريون القدماء هم بناة الحضارة! وبالتالي نعود مرة أخرى إلى مسألة النجميين وسكان المريخ والكواكب الأخرى، أو سكان الأطلنتس المفقودة الذين هبطوا مصر وعلَّموا أهلها علوماً لم تصل إليها الإنسانية بعد.ليس من الصواب ترك الساحة لهؤلاء الرافضين للعلم والعلماء؛ المشككين في البحث العلمي والمنطق، وعلينا مواجهة أفكارهم ونقدها بالحجة والبرهان، وإلا فوجئنا بجيل يرفض العلم، ويميل إلى تصديق الخرافة والوهم. وهذا خطر نحذِّر من ضرره الشديد على تراثنا الأثري الذي هو أغلى ما نملك من الماضي.