الذكاء الاصطناعي وسرطان الفم: حين تلتقي الخوارزميات بالرحمة

ثورة رقمية صامتة لمواجهة مرض خبيث يتسلّل بهدوء في العالم العربي

الذكاء الاصطناعي وسرطان الفم: حين تلتقي الخوارزميات بالرحمة
TT

الذكاء الاصطناعي وسرطان الفم: حين تلتقي الخوارزميات بالرحمة

الذكاء الاصطناعي وسرطان الفم: حين تلتقي الخوارزميات بالرحمة

في كل عام، وتحديداً في شهر نوفمبر (تشرين الأول)، يوجِّه العالم أنظاره إلى «شهر التوعية بسرطان الفم (Oral Cancer Awareness Month)»، في محاولة لكسر صمت طويل يحيط بمرض خفيّ التأثير وعميق الأثر. فعلى عكس السرطانات التي تتصدّر عناوين الأخبار وتستحوذ على حملات الدعم والتمويل، يبقى سرطان الفم غالباً في الظل، يترصّد بصمت في زوايا الفم واللسان والبلعوم إلى أن يُكتَشف متأخراً، في مراحل يصعب فيها العلاج، لتبدأ رحلة طبية معقدة ومكلفة، تُثقل المريض نفسياً وجسدياً.

تأخر اكتشاف سرطان الفم

هذا التأخر في الاكتشاف لا يعود فقط إلى الطبيعة الصامتة للمرض، بل أيضاً إلى نقص برامج الفحص الدوري، وضعف الوعي الصحي العام، وغياب حملات الكشف المبكر المنظمة في كثير من الدول العربية. وتُفاقم المشكلة عوامل سلوكية وبيئية متجذّرة، مثل مضغ القات في بعض المناطق، واستخدام الشمة (Smokeless Tobacco)، والتدخين، وضعف نظافة الفم، إلى جانب العدوى المزمنة بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) التي تُعدّ من أبرز العوامل المسببة له عالمياً. وهذه التركيبة المعقّدة تجعل من سرطان الفم تحدياً مزدوجاً؛ طبياً وثقافياً.

وفي مواجهة هذا التحدي، يطلّ الذكاء الاصطناعي بوصفه أفقاً جديداً واعداً، لا ليحل محل الطبيب، بل ليمنحه عيناً إضافية ترى ما لا يُرى. فمن خلال قدراته على الرصد المبكر، والتشخيص الذكي، وتحليل الصور والبيانات السريرية بدقة وسرعة، يَعِد الذكاء الاصطناعي بإحداث تحوّل جذري في الطريقة التي نكشف بها المرض ونتعامل معه، خصوصاً في البيئات التي تعاني من محدودية الكوادر الطبية أو ضعف البنية التحتية للفحص المبكر.

سرطان الفم في العالم العربي: أرقام صامتة تكشف أزمة متصاعدة

يمثل سرطان الفم في العالم العربي تحدياً صحياً متنامياً لا يحظى بالاهتمام الكافي، رغم تصاعد معدلات الإصابة والوفيات خلال العقدين الأخيرين. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO) والاتحاد الدولي لمكافحة السرطان، إلى أن سرطان الفم والبلعوم يحتل المرتبة السادسة عالمياً من حيث الانتشار، لكن الصورة الإقليمية تكشف عن تفاوتات لافتة.

* في اليمن وبعض مناطق القرن الأفريقي، تصل معدلات الإصابة إلى ما يفوق 30 حالة لكل 100 ألف شخص في الفئات العمرية المتقدمة، وهي من أعلى المعدلات المسجلة عالمياً، ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى الانتشار الواسع لعادة مضغ القات التي تحتوي أوراقها على مواد كيميائية مخرشة ومسرطنة عند الاستخدام المزمن، مما يجعلها من أهم العوامل المسببة لسرطان الفم في هذه المناطق.

* في السعودية، تُظهر بيانات السجل الوطني للأورام أن سرطان الفم يُصنَّف ضمن أكثر 5 سرطانات شيوعاً لدى الذكور في بعض المناطق الجنوبية، ويرتبط بشكل وثيق باستخدام الشمة.

* في السودان، أظهرت دراسات وبائية محلية أن أكثر من 70 في المائة من المصابين بسرطان الفم لديهم تاريخ طويل في استخدام الشمة التقليدية، وغالباً ما يصلون إلى مراكز العلاج في مراحل متقدمة من المرض.

* في دول شمال أفريقيا مثل مصر والمغرب، ما زال معدل الكشف المبكر منخفضاً، مما يؤدي إلى نسب مرتفعة من الحالات المتأخرة وصعوبات في العلاج وإعادة التأهيل.

وتبرز هذه الأرقام وجود فجوة واضحة بين الحاجة الملحّة للتدخلات الصحية والوعي المجتمعي وبرامج الفحص المبكر، وهي فجوة يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تضييقها عبر الكشف السريع، وتحسين فرص التشخيص المبكر، ودعم الكوادر الصحية في المناطق ذات الموارد المحدودة.

من الصورة إلى الخلية: ثورة التشخيص بالذكاء الاصطناعي

في هذا المشهد القاتم الذي يتأخر فيه التشخيص وتفوت فيه فرص العلاج المبكر، يطلّ الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) بوصفه أداةً قادرةً على تغيير قواعد اللعبة جذرياً. لم يعد تشخيص سرطان الفم اليوم يعتمد فقط على عين الطبيب أو عدسة المجهر التقليدي، بل أصبح يستند إلى خوارزميات متطورة قادرة على قراءة التفاصيل الدقيقة التي لا تراها العين البشرية، والتنبؤ بالتغيرات الخبيثة في مراحلها الأولى، حين يكون التدخل العلاجي أكثر فاعلية وفرص النجاة أعلى.

تعتمد هذه الثورة التشخيصية على تقنيات متقدمة مثل الشرائح النسيجية الرقمية (Whole Slide Imaging)، التي تحوِّل العينات النسيجية إلى صور عالية الدقة تُحلَّل بواسطة خوارزميات التعلم العميق.

وتتعلم هذه الخوارزميات، التي تمَّ تدريبها على ملايين الصور السريرية والنسيجية من مختلف أنحاء العالم، تمييزَ الأنماط الدقيقة في الأنسجة، بدءاً من التغيُّرات الطفيفة في بنية الخلايا وصولاً إلى توزيع الأوعية الدموية والملامح المجهرية التي قد تشير إلى بداية تحوّل خبيث.

ولا يقتصر الأمر على الشرائح النسيجية؛ فخوارزميات الذكاء الاصطناعي باتت قادرةً أيضاً على تحليل الصور السريرية وصور الأشعة بدقة غير مسبوقة، مسلّطةً الضوء على مواضع الخطر التي قد تمر دون ملاحظة في الفحص التقليدي.

دقة تشخيص عالية

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن دقة بعض هذه النماذج وصلت إلى مستويات تتجاوز 90 في المائة في التفريق بين الآفات الحميدة والخبيثة، وهو مستوى يضاهي أداء متخصصي علم الأمراض ذوي الخبرة العالية، بل ويتفوق عليهم في سرعة التحليل وقدرته على التعامل مع كميات ضخمة من البيانات دون تعب أو تشتت.

ويكمن البعد الثوري الحقيقي في أن هذه التقنيات لا تقتصر على المختبرات المتقدمة أو المراكز العالمية، بل يمكن دمجها في عيادات الأسنان والمراكز الصحية الأولية وحتى الهواتف الذكية، ما يفتح الباب أمام نموذج جديد للرعاية التشخيصية المبكرة في المناطق النائية أو التي تعاني من نقص الكوادر المتخصصة. بهذه الطريقة، يصبح بإمكان الطبيب العام أو طبيب الأسنان غير المتخصص الحصول على دعم ذكي لحظي في أثناء الفحص، يرشد إلى مواضع الخطر ويقترح الخطوات التالية، بما يسهم في رفع نسب الاكتشاف المبكر وتقليص الفجوة في الرعاية الصحية.

إنها باختصار ثورة تبدأ من الصورة وتنتهي إلى الخلية، تفتح أمامنا أفقاً غير مسبوق في معركة الكشف المبكر عن سرطان الفم، وتعيد رسم العلاقة بين الطبيب والخوارزمية لتصبح شراكة ذكية هدفها الأسمى إنقاذ الأرواح.

دعم القرار العلاجي: الطب الشخصي يبدأ من الفم

لا يقف دور الذكاء الاصطناعي عند حدود التشخيص، بل يمتد إلى مرحلة أكثر عمقاً وتأثيراً: دعم القرار العلاجي. فالنماذج التنبؤية المتقدمة أصبحت قادرةً على تحليل الكم الهائل من البيانات السريرية والجينية لكل مريض، لبناء ما يشبه «الخريطة الرقمية لمستقبل الورم». هذه الخريطة تساعد الفريق الطبي على استشراف سلوك الورم واحتمالات انتشاره أو استجابته للعلاج، ما يتيح تصميم خطط علاج شخصية دقيقة بدلاً من اتباع بروتوكولات موحَّدة للجميع.

على سبيل المثال، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تحدِّد للمريض الأنسب:

ما إذا كان التدخل الجراحي المبكر هو الخيار الأفضل، أو أن العلاج الإشعاعي الموجّه سيكون أكثر فاعلية، أو أن المزيج بين الأدوية الموجهة (Targeted Therapy) والعلاج المناعي سيحقق أفضل النتائج.

هذه القدرة على المواءمة بين خصائص الورم الفريدة وبيانات المريض الفردية تمثل جوهر ما يُعرف بـ«الطب الشخصي»، وهي نقلة نوعية في علاج سرطان الفم تحديداً، حيث تختلف الاستجابات بشكل كبير بين المرضى.

بهذه الطريقة، يتحول الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة تقنية إلى عنصر أساسي في رسم ملامح العلاج المستقبلي لسرطان الفم.

العدالة الصحية... خوارزمياً

في العالم العربي، حيث لا تزال الفجوة بين المدن والمناطق الريفية واضحة في توفر خدمات الرعاية الصحية المتخصصة، تمثل تقنيات الذكاء الاصطناعي فرصةً حقيقيةً لإعادة رسم خريطة العدالة الصحية. ففي مناطق عدة من القرى والأرياف، ما زال الوصول إلى متخصصي الفم والوجه والفكين أمراً صعباً، سواء بسبب ندرة الكوادر أو محدودية الإمكانات اللوجيستية. وهنا يظهر الذكاء الاصطناعي بوصفه جسراً رقمياً قادراً على إيصال الخبرة الطبية المتقدمة إلى أبعد نقطة على الخريطة.

بفضل تطبيقات الهواتف الذكية المزوَّدة بقدرات تصوير وتشخيص ذكي، والمنصات السحابية التي تتيح مشاركة البيانات وتحليلها فوراً، وأجهزة الفحص المحمولة منخفضة التكلفة، أصبح من الممكن تمكين الكوادر الصحية الأولية - حتى غير المتخصصة - من التقاط صور للفم والأنسجة، وإرسالها فوراً إلى خوارزميات متقدمة تقوم بتحليلها بدقة، وتحديد الحالات المشتبه بها، وتقديم توصيات مبدئية لإحالتها إلى المراكز المتخصصة في الوقت المناسب.

بهذا الشكل، لم تعد المسافة أو ضعف البنية التحتية عائقاً أمام الكشف المبكر، بل أصبحت الخوارزميات وسيلةً لتحقيق العدالة الصحية المكانية، بحيث يحصل المريض في الريف على مستوى قريب من التشخيص الذي قد يناله في المستشفى الجامعي داخل المدينة. إنها نقلة نوعية تعزِّز من مفهوم الصحة للجميع، وتحوِّل الذكاء الاصطناعي من ترف تقني إلى أداة تمكين اجتماعي تخدم الفئات الأكثر احتياجاً.

بين التقنية والإنسان: شراكة لا منافسة

رغم هذا التقدم الهائل، فإن الحقيقة الأساسية تبقى واضحةً: الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للطبيب، بل يعد شريكاً له.

إن نجاح الذكاء الاصطناعي في ميدان سرطان الفم، كما في سائر المجالات الطبية، لا يُقاس فقط بعدد الحالات التي يكتشفها، بل بمدى تكامله مع خبرة الأطباء، واستناده إلى بيانات موثوقة وتمثيلية تعكس تنوع السكان جغرافياً وثقافياً. فالنماذج التي تُدرَّب على بيانات من بيئات مختلفة قد تعجز عن فهم الإشارات الدقيقة في مجتمعاتنا المحلية، ما يجعل التنوع الجغرافي وجودة البيانات عاملَين حاسمَين في نجاح هذه التقنيات.

ثم هناك البعد الأخلاقي، الذي لا يقل أهميةً عن الجانب التقني. فالتعامل مع الصور النسيجية والبيانات السريرية للمريض يتطلب أطراً صارمةً لحماية الخصوصية والكرامة الإنسانية، ومنع أي إساءة استخدام، أو اختراق قد يزعزع ثقة المرضى في هذه المنظومات. ولهذا، فإن بناء بيئة أخلاقية وتشريعية واضحة شرط أساسي لاستخدام الذكاء الاصطناعي بأمان ومسؤولية.

خاتمة: أفواهنا لا تنطق فقط... بل تخبرنا قصصاً صامتة

في شهر التوعية بسرطان الفم، لا ينبغي أن يقتصر اهتمامنا على الأرقام والإحصاءات، بل علينا أن نصغى إلى الرسائل الصامتة التي تحملها أفواه الناس. فكل فحص مبكر يمكن أن ينقذ حياة، وكل صورة تُحلَّل في وقتها قد تُغيِّر مصير مريض، وكل خوارزمية طُوِّرت برؤية إنسانية يمكن أن تفتح باباً جديداً للرحمة والنجاة.

إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أدوات رقمية أو تقنيات مبهِرة؛ بل يمكن أن يصبح وسيطاً للرحمة، إذا وُجّه بالنية الصادقة والضوابط الأخلاقية الواضحة. وكما قال جبران خليل جبران: «الرحمة نصف العدالة». فالرحمة هنا ليست عاطفة مجردة، بل فعل علمي وإنساني مشترك بين الطبيب، والمجتمع، والتقنية.

فلنجعل من الذكاء الاصطناعي رفيقاً لهذه الرحمة وليس بديلاً عنها، ولنمنح لأفواه الناس في عالمنا العربي فرصة أن تنطق بالحياة بدلاً من الصمت المؤلم. إن المستقبل لا يُكتَب فقط في المختبرات، بل يُرسَم في كل عيادة، وكل مدرسة، وكل بيت يعي قيمة الكشف المبكر، ويؤمن بأن التكنولوجيا حين تتلاقى مع الرحمة، تصنع فارقاً حقيقياً في حياة البشر.


مقالات ذات صلة

مليارات الذكاء الاصطناعي... هل هي فرصة تاريخية أم فخ الفقاعة؟

الاقتصاد روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)

مليارات الذكاء الاصطناعي... هل هي فرصة تاريخية أم فخ الفقاعة؟

في وقت تتدفق فيه مئات المليارات نحو صناعة الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، ما زال السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل نحن أمام ثورة رقمية أم فقاعة مالية كبيرة؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا تكشف البيانات أن المستخدمين يلجأون للمساعد لطرح أسئلة صحية وعاطفية وفلسفية وليس فقط لحلول تقنية أو عملية (شاترستوك)

كيف يتحول «مايكروسوفت كوبايلوت» من أداة عمل إلى رفيق يومي للمستخدمين؟

يكشف التقرير أن «كوبايلوت» لم يعد مجرد أداة إنتاجية بل أصبح شريكاً رقمياً يلجأ إليه المستخدمون للعمل والقرارات اليومية بما يطرح تحديات ثقة ومسؤولية للمطوّرين.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد شعار شركة «أوراكل» في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

تعثّر «أوراكل» يهزّ أسهم الذكاء الاصطناعي... والسوق ترفض الاستسلام

تلقّى الزخم القوي الذي يدعم أسهم الذكاء الاصطناعي ضربة مؤلمة بعد تقرير مخيّب من «أوراكل»، أعاد إلى الواجهة المخاوف من التقييمات المبالغ فيها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الاقتصاد صورة جوية لمركز بيانات «أمازون ويب سيرفيسز» في آشبورن - فيرجينيا - أكتوبر 2025 (رويترز)

ديون مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تقفز إلى 125 مليار دولار

مع انتشار «حمّى الذكاء الاصطناعي» التي دفعت الأسهم العالمية إلى مستويات قياسية، يتم تمويل مراكز البيانات اللازمة لتشغيل هذه التكنولوجيا بشكل متزايد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن يترافق مع ابتكار مسؤول وتعليم شامل لضمان استفادة عادلة للجميع (غيتي)

خاص الذكاء الاصطناعي يتجاوز حدود الموضة التقنية... كيف يعيد تشكيل المجتمعات؟

يوضح تقرير «سيسكو - OECD» أن انتشار الذكاء الاصطناعي لا يكفي، فالمستقبل يتحدد بمهارات المستخدمين وتوازنهم الرقمي وقدرتهم على الاستفادة العادلة من التقنية.

نسيم رمضان (لندن)

الوخز بالإبر يقي مريضات سرطان الثدي من «ضبابية الدماغ»

أظهر الوخز بالإبر الحقيقي تحسناً بمقدار الضعف في الحد من الضعف الإدراكي مقارنةً بالرعاية المعتادة (جامعة ملبورن)
أظهر الوخز بالإبر الحقيقي تحسناً بمقدار الضعف في الحد من الضعف الإدراكي مقارنةً بالرعاية المعتادة (جامعة ملبورن)
TT

الوخز بالإبر يقي مريضات سرطان الثدي من «ضبابية الدماغ»

أظهر الوخز بالإبر الحقيقي تحسناً بمقدار الضعف في الحد من الضعف الإدراكي مقارنةً بالرعاية المعتادة (جامعة ملبورن)
أظهر الوخز بالإبر الحقيقي تحسناً بمقدار الضعف في الحد من الضعف الإدراكي مقارنةً بالرعاية المعتادة (جامعة ملبورن)

أفادت دراسة جديدة بأن الوخز بالإبر قد يساعد في تحسين الصعوبات الإدراكية المرتبطة بسرطان الثدي مقارنةً بالرعاية المعتادة.

وأظهرت نتائج التجربة السريرية العشوائية (ENHANCE) من المرحلة الثانية، التي عُرضت في مؤتمر سان أنطونيو لسرطان الثدي (SABCS)، في الفترة من 9 إلى 12 ديسمبر 2025، في تكساس بالولايات المتحدة، أن الوخز بالإبر الحقيقي والوهمي كانا أكثر فعالية في تحسين الضعف الإدراكي لدى الناجيات من سرطان الثدي مقارنةً بالرعاية المعتادة، بينما تفوّق الوخز بالإبر الحقيقي على الوهمي.

ويُعاني أكثر من 40 في المائة من الناجيات من سرطان الثدي من صعوبات إدراكية مرتبطة بالسرطان، التي يُشار إليها أحياناً باسم «ضبابية الدماغ» أو «دماغ العلاج الكيميائي»، وفقاً للدكتور جون ج. ماو، رئيس قسم الطب التكاملي والعافية في مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان في مدينة نيويورك الأميركية.

وأوضح ماو، في بيان، الجمعة: «تقلل الصعوبات الإدراكية المرتبطة بالسرطان أداء المهام اليومية وجودة الحياة بشكل عام».

ولسوء الحظ، لا توجد سوى علاجات قليلة مدعومة بالأدلة العلمية لهذه المشكلة.

في دراسة سابقة، وجد ماو وزملاؤه أن الشعور بالأرق مرتبط بصعوبات إدراكية لدى أكثر من ألف ناجية من سرطان الثدي، وأن الوخز بالإبر حسّن الأرق، وقد يُحسّن الوظائف الإدراكية مقارنةً بالعلاج السلوكي المعرفي للأرق.

لزيادة اختبار فعالية الوخز بالإبر في تحسين الوظائف الإدراكية لدى مريضات سرطان الثدي، صمّم الباحثون دراسة ثلاثية المجموعات تقارن بين الوخز بالإبر الحقيقي والوخز بالإبر الوهمي والرعاية المعتادة التي يقدمها الطبيب حسب تقديره.

ويهدف الوخز بالإبر الوهمي إلى محاكاة تجربة الوخز بالإبر الحقيقية، مع توفير تجربة استرخاء مماثلة، ولكن مع بعض الاختلافات الرئيسية: يستخدم الوخز بالإبر الوهمي نقاطاً في الجسم لا تُعتبر من نقاط الوخز بالإبر التقليدية، كما لا تخترق الإبر الجلد.

أوضح ماو: «ينبغي النظر إلى الوخز بالإبر بوصفه تدخلاً علاجياً متكاملاً يشمل كلاً من وخز الإبر والرعاية المقدمة»، مضيفاً أن: «مجرد الاعتقاد بتلقي علاج مفيد والاسترخاء بالاستلقاء لمدة 20 – 30 دقيقة قد يكون له فوائد علاجية محتملة حتى لو لم يتم إدخال الإبر أو وضعها في نقاط علاجية محددة».

شملت التجربة 260 امرأة لديهن تاريخ إصابة بسرطان الثدي في المراحل من صفر إلى 3، أكملن العلاج، ولم تظهر عليهن أي علامات للسرطان، وأبلغن عن صعوبات إدراكية وأرق متوسط ​​أو شديدين مرتبطين بالسرطان.

خضع المرضى لجلسات علاج بالوخز بالإبر، حقيقية أو وهمية، مرة أسبوعياً لمدة عشرة أسابيع، وقُيِّمت الوظائف الإدراكية عند خط الأساس، وبعد عشرة أسابيع، وبعد ستة وعشرين أسبوعاً.

قُيِّمت الوظائف الإدراكية باستخدام مقياس التقييم الوظيفي لعلاج السرطان - الوظائف الإدراكية (FACT-Cog PCI)، وهو مقياس مُعتمَد يُبلغ عنه المريض، حيث يُطلب منه إكمال استبيان حول شعوره بتأثير ذلك على ذاكرته، وانتباهه، وقدرته على أداء المهام اليومية.

كما قُيِّمت الوظائف الإدراكية الموضوعية باستخدام اختبار هوبكنز للتعلم اللفظي - النسخة المُعدَّلة (HVLT)، الذي يقيس أداء الذاكرة، والتعلم، والانتباه باستخدام مهام مُوحَّدة.

أظهرت النتائج الرئيسية للتجربة أنه بعد 10 أسابيع، أظهر المشاركون في مجموعتي الوخز بالإبر الحقيقي والوهمي تحسناً ذا دلالة سريرية في الضعف الإدراكي، مقارنةً بمجموعة الرعاية المعتادة.

كما أظهر الوخز بالإبر الحقيقي تحسناً بمقدار الضعف في الحد من الضعف الإدراكي مقارنةً بالرعاية المعتادة، وذلك في كلٍّ من الأسبوعين العاشر والسادس والعشرين، بينما لم يكن الفرق بين الوخز بالإبر الحقيقي والوهمي ذا دلالة إحصائية في أيٍّ من هاتين المرحلتين.

وبينما حسّن الوخز بالإبر الحقيقي نتائج اختبار الذاكرة اللفظية (HVLT)، لم يُحدث الوخز الوهمي أي فرق في الوظائف الإدراكية.


ضبط سكر الدم يُقلّل خطر النوبات القلبية إلى النصف

شارك في الدراسة باحثون من جهات بحثية دولية (كليفلاند كلينيك)
شارك في الدراسة باحثون من جهات بحثية دولية (كليفلاند كلينيك)
TT

ضبط سكر الدم يُقلّل خطر النوبات القلبية إلى النصف

شارك في الدراسة باحثون من جهات بحثية دولية (كليفلاند كلينيك)
شارك في الدراسة باحثون من جهات بحثية دولية (كليفلاند كلينيك)

أظهر تحليل دولي أنّ الأشخاص المُصابين بمقدمات السكري، والذين يستطيعون إعادة مستوى السكر في دمهم إلى المعدل الطبيعي من خلال تغييرات في نمط حياتهم، ينخفض لديهم خطر الإصابة بالنوبات القلبية، وفشل القلب، والوفاة المبكرة إلى النصف.

ووفق الباحثين، قد تُحدث النتائج المنشورة في «مجلة لانسيت للسكري والغدد الصماء»، الجمعة، ضمن دراستين جديدتين، ثورةً في مجال الوقاية، وتُرسّخ هدفاً جديداً وقابلاً للقياس في الإرشادات السريرية.

شارك في الدراسة باحثون من مستشفى جامعة توبنغن، ومعهد هيلمهولتز ميونيخ، والمركز الألماني لبحوث السكري «DZD» في ألمانيا، بالإضافة إلى جهات بحثية أميركية وصينية وبريطانية أخرى.

ويعيش ملايين الأشخاص حول العالم بمستويات مرتفعة من السكر في الدم من دون علمهم. ويُعدّ هؤلاء مصابين بـ«مقدمات السكري»، وهي مرحلة مبكرة يكون فيها مستوى الغلوكوز في الدم أعلى من المعدل الطبيعي، لكنه ليس مرتفعاً بما يكفي لتشخيص الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. ورغم أنّ هذه الحالة غالباً ما تتطوّر إلى الإصابة بالمرض، فإنها تحمل أيضاً خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، التي تُعد من الأسباب الرئيسية للوفاة على مستوى العالم.

ويُنصح المصابون بمقدمات السكري عادةً بإنقاص الوزن، وزيادة النشاط البدني، واتباع نظام غذائي صحي. وتُعد هذه التغييرات في نمط الحياة منطقية، لأنها تُحسّن اللياقة البدنية والصحة العامة، وتُقلّل من عوامل خطر عدّة. ومع ذلك، بقي سؤال جوهري دون إجابة: هل تحمي هذه البرامج القلب على المدى الطويل؟

يُقدّم التحليل الجديد توضيحاً لهذا الأمر، إذ تمكّن الباحثون من إثبات أن العامل الحاسم ليس تغيير نمط الحياة بذاته، بل قدرة الأشخاص المصابين بمقدمات السكري على إعادة مستوى السكر في الدم إلى المعدل الطبيعي، أي التعافي من مقدمات السكري.

ووفق النتائج، انخفض خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى المشاركين في التجارب بنحو 50 في المائة، كما انخفض معدل الوفيات الإجمالي بشكل ملحوظ.

وقال الباحث الرئيسي في الدراسة، والمحاضر في مرض السكري بكلية كينغز لندن ومستشفى جامعة توبنغن، البروفسور أندرياس بيركنفيلد، في بيان: «تعني نتائج الدراسة أن التعافي من مقدمات السكري قد يُصبح، إلى جانب خفض ضغط الدم، وتقليل الكوليسترول، والإقلاع عن التدخين، أداة وقائية أولية رئيسية رابعة تُسهم فعلياً في الوقاية من النوبات القلبية والوفيات».

وتُظهر بيانات طويلة الأمد لأكثر من 2400 شخص مصاب بمقدمات السكري أن أولئك الذين ينجحون في ضبط مستوى السكر في الدم لديهم خطر أقل بكثير للوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو دخول المستشفى بسبب قصور القلب، مقارنةً بمَن تبقى مستويات السكر لديهم مرتفعة، حتى عندما تفقد المجموعتان وزناً مماثلاً.

واعتمدت الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية حتى الآن على 3 محاور: ضبط ضغط الدم، وخفض مستوى الكوليسترول الضار «LDL»، والإقلاع عن التدخين. ومع هذه النتائج الجديدة، يمكن إضافة ركيزة رابعة تتمثّل في الحفاظ على مستوى طبيعي لسكر الدم لدى المصابين بمقدمات السكري.

وقال بيركنفيلد: «تشير نتائجنا إلى أنّ شفاء مرضى ما قبل السكري لا يؤخر أو يمنع ظهور داء السكري من النوع الثاني فحسب، بل يحمي أيضاً الأشخاص من أمراض القلب والأوعية الدموية الخطيرة على المدى الطويل».


5 فوائد صحية لصعود الدرج يومياً

صعود الدرج بشكل متكرر يؤدي إلى زيادة حجم عضلات البطن مع مرور الوقت (بيكسلز)
صعود الدرج بشكل متكرر يؤدي إلى زيادة حجم عضلات البطن مع مرور الوقت (بيكسلز)
TT

5 فوائد صحية لصعود الدرج يومياً

صعود الدرج بشكل متكرر يؤدي إلى زيادة حجم عضلات البطن مع مرور الوقت (بيكسلز)
صعود الدرج بشكل متكرر يؤدي إلى زيادة حجم عضلات البطن مع مرور الوقت (بيكسلز)

يلجأ كثيرون إلى صعود الدرج لزيادة نشاطهم البدني. ورغم أن الاستغناء عن المصعد أو السلم المتحرك في المكتب أو المنزل قد يبدو تغييراً بسيطاً، فإن الخبراء متفقون على أن صعود الدرج يُقدِّم فوائد صحية جمّة، وفقاً لموقع «هيلث».

عند صعود الدرج، تتحرَّك أفقياً وعمودياً. تقول ميليكا ماكدويل، اختصاصية العلاج الطبيعي: «هذا يجعل صعود الدرج أكثر إجهاداً للجهاز العضلي الهيكلي بأكمله تقريباً». هذه الحركة تُسهم في تحسين الصحة بشكل ملحوظ.

إليكم 5 فوائد صحية قد تلاحظونها إذا جعلتم صعود الدرج عادة يومية.

1- تعزيز قوة الجزء السفلي من الجسم

تقول الدكتورة جانيت دوفيك، أستاذة علم الحركة وعلوم التغذية في جامعة نيفادا، لاس فيغاس، إن صعود الدرج يُعدّ نوعاً من تمارين المقاومة، أي تمرين يُحفّز عضلاتك على الانقباض ضد قوة خارجية. في حالة صعود الدرج، تكون القوة الخارجية هي وزن جسمك في أثناء الصعود، مُقاوماً بذلك الجاذبية.

ونتيجةً لذلك، يُعدّ صعود الدرج وسيلة فعّالة لتقوية عضلات الأطراف السفلية، وتحديداً عضلات الفخذ الأمامية والخلفية، وعضلات الأرداف، وعضلات الساق، كما أوضحت دوفيك.

وأضافت: «يتطلب صعود الدرج نطاقاً أوسع من الحركة في الركبتين والوركين، بالإضافة إلى عزم دوران أكبر، مما قد يؤدي إلى زيادة القوة مع مرور الوقت».

ومع ازدياد قوة الجزء السفلي من جسمك، قد تُصبح مجموعة من المهام اليومية أسهل. فعلى سبيل المثال، قد تجد قريباً أنه من الأسهل عليك المشي صعوداً، وحمل مشتريات البقالة، والنهوض من الكرسي، كما أوضحت دوفيك.

2- تقوية عضلات الجذع

يؤدي صعود الدرج بشكل متكرر إلى زيادة حجم عضلات البطن مع مرور الوقت.

عند صعود الدرج، تعمل عضلات الجذع - العضلة المستقيمة البطنية، والعضلات المائلة، والعضلة المستعرضة البطنية - للتحكم في جذع الجسم ومنعه من الدوران المفرط، كما أوضحت دوفيك. كما تعمل عضلات العمود الفقري على الحفاظ على وضعية مستقيمة.

وأضافت: «لا تنظر إلى صعود الدرج ونزوله على أنه نشاط يركز على عضلات الأطراف السفلية فحسب، بل يُحسّن أيضاً من قوة عضلات الجذع وثباتها».

3- تحسين صحة العظام

وفقاً لماكدويل، كلما زادت متطلبات جهازك العضلي، زادت قوة عظامك (بشكل إيجابي). وأوضحت: «كلما زاد الضغط الإيجابي على العظام، زادت قوتها».

هذا الإجهاد، المعروف تقنياً بالتحميل الميكانيكي، يزيد من نشاط الخلايا البانية للعظم (الخلايا التي تبني العظام الهيكلية)، كما أوضحت دوفيك.

وأضافت: «هذا بدوره يزيد من كثافة المعادن في العظام؛ مما يؤدي إلى تقليل الكسور المرتبطة بهشاشة العظام».

نصيحة سريعة: إذا كنت تصعد الدرج بوصف هذا الصعود جزءاً من تمارينك الرياضية، فيمكنك زيادة الحمل الميكانيكي على عظامك بارتداء حقيبة خصر مزودة بأوزان أو سترة أثقال.

4- قلب أكثر صحة وكفاءة

ممارسة الرياضة بانتظام أمر أساسي للحفاظ على صحة القلب، بل يُنصح كل بالغ بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني متوسط ​​الشدة أسبوعياً. هناك كثير من الطرق لتحقيق هذا الهدف، لكن صعود الدرج يُعدّ من أفضلها، كما اتفق الخبراء.

قال الدكتور تشنغ هان تشن، المدير الطبي لـ«برنامج أمراض القلب الهيكلية» في «مركز ميموريال كير سادلباك الطبي» في لاغونا هيلز، كاليفورنيا: «إن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والتي ترفع معدل ضربات القلب، مثل صعود الدرج، تساعد على تدريب القلب على ضخ الدم بكفاءة أكبر».

وأوضحت ماكدويل أن الأشخاص ذوي القلوب الأكثر كفاءة - أو أولئك الذين يتمتعون بلياقة قلبية وعائية أفضل - عادةً ما يكون لديهم معدل ضربات قلب أقل ويعانون من ضيق تنفس أقل في أثناء التمرين.

وأشار تشن إلى أن صعود الدرج يمكن أن يُرخي الأوعية الدموية، مما يقلل من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم.

5- حرق السعرات الحرارية وتحسين إدارة الوزن

صعود الدرج ليس بالأمر الهين على الجسم، وهذا يعني أنه يحرق كميةً كبيرةً من السعرات الحرارية.

قالت دوفيك: «أظهرت الدراسات أن صعود الدرج يحرق ضعف عدد السعرات الحرارية تقريباً في الدقيقة الواحدة مقارنةً بالمشي للمدة نفسها على أرض مستوية».

لماذا؟ لأنك تتحرك للأعلى، وليس فقط أفقياً، كما أوضحت ماكدويل. ونتيجةً لذلك، يبذل الأشخاص الذين يصعدون الدرج جهداً أكبر من المشاة (أو مستخدمي المصعد)، وبالتالي يحرقون سعرات حرارية أكثر.

كل هذا الحرق للسعرات الحرارية من صعود الدرج قد يُدخلك في حالة عجز في السعرات الحرارية - أي حالة تحرق فيها سعرات حرارية أكثر مما تستهلك - وقد تلاحظ انخفاضاً في الوزن. لكن تذكَّر أن فقدان الوزن يستغرق وقتاً، لذا لا يُتوقع أن يكون هذا التغيير فورياً.