لا يوجد شاعر يمكنه أن يتمطى بطول مساحة الخليج مثلما يحقُّ للشاعر خالد الفرج، الشخصية الأدبية التي أثرّت في الحياة الشعرية والثقافية على ساحل الخليج خلال النصف الأول من القرن الماضي، الذي جسّد حلماً مبكراً بالتواصل والوحدة بين الخليجيين، كما مثلّ صورة المثقف العضوي المتفاعل مع مجتمعه وعروبته.
من بين الألقاب التي حملها الشاعر خالد الفرج «شاعر الخليج»، و«شاعر الملاحم»، لكن الشاعر والمحقق السعودي السيد عدنان العوامي يرى أن اللقب الأكثر قرباً لحقيقة هذا الشاعر هو أنه «شاعر الملك عبد العزيز». فقد ألفّ العوامي مؤخراً كتاباً بعنوان «خالد الفرج... شاعر الملك عبد العزيز في الخليج»، يقول العوامي: «مهما أطلنا البحث والنبش فلن نجد غير خالد الفرج يصدق عليه عنوان (شاعر الملك عبد العزيز)، ولن نجد ملكاً أو أميراً نظم الفرجُ في مدحه أكثر من الملك عبد العزيز. وحسبه ملحمة (أحسن القصص) و(الخبر والعيان)».
كتاب العوامي صدر مؤخراً عن «المجلة العربية» ويقع في 344 صفحة، ويلاحظ الأديب خليل الفزيع أن الشاعر عدنان العوامي «اهتم بالفرج باحثاً متأنّياً، ودارساً جادّاً، ومتابعاً مثابراً لإرثه الشعري، ما نشر منه وما لم ينشر، إلى جانب تقديم نماذج من نثره، في هذا الكتاب الذي أصبح بين أيدي القراء، وقد امتدت وشائج المحبة بين شاعر رحل، وشاعر وباحث أبى إلا أن يبرز لمحات ملهمة من سيرة وشعر الشاعر».
ولد الشاعر خالد بن محمد بن فرج الصراف الدوسري، المعروف اختصاراً بخالد الفرج، في الكويت، بداية سبتمبر (أيلول) عام 1898، وتوفيّ في لبنان سنة 1954، وهو ينحدر من أصول سعودية تعود إلى البدارين من الدواسر، ووالدته من إحدى القبائل القطرية، تلقى علومه في المدرسة المباركية بالكويت، ثم أصبح مدرساً فيها، ثمّ ارتحل إلى الهند، حيث أصبح كاتباً عند أحد التجار الكويتيين في الهند، وأسس في مومباي المطبعة العمومية التي طبع فيها مجموعة من الكتب كان بعضها على نفقة الملك عبد العزيز، وقد درس اللغة الإنجليزية والهندسة خلال عمله هناك، ثم انتقل إلى البحرين ليصبح مدرساً بمدرسة «الهداية» الخليفية، وعضواً في المجلس البلدي البحريني، ثم عيّنه الملك عبد العزيز مسؤولاً في بلدية الأحساء ثم رئيساً لبلدية القطيف، التي مثلت الفترة الذهبية في حياته، حيث تعرّف فيها على الشعراء والأدباء في السعودية والبحرين، وعن هذه المرحلة يتحدث المؤرخ الراحل محمد سعيد المُسلم، صاحب كتاب «ساحل الذهب الأسود»، قائلاً: «إن خالد الفرج قضى معظم حياته في القطيف، وكان لها الفضل في استقراره النفسي، وقد منحها في المقابل إخلاصه ووفاءه وعصارة أفكاره، واندمج في مجتمعها، وأصبح فرداً منهم، وغذى الحركة الأدبية فيها، وترك أثراً كبيراً في تطور الحياة الفكرية»، وعن هذا التأثير يقول المرحوم الدكتور عبد الرحمن الشبيلي: «كانت إقامته في المنطقة الشرقية الفترة الأكثر خصوبة وحيوية في حياته الفكرية والإدارية، والأطول من الناحية الزمنية؛ قرابة نصف عمره (...) ووجد من الاستقرار النفسي والمعيشي والوظيفي والأسري ما جعله يتفرغ للفكر والإبداع»، أما الباحث عدنان العوامي فوصف علاقة الفرج بالقطيف بـ«تشبُّث فريد»، قائلاً في كتابه الأخير عن الفرج: «ثمة ما يشدُّ الانتباه بقوَّة لشدة تعلق الفرج بالقطيف، وتشبّثه بها حتى في أحلك الأزمات».
وكما كان لخالد الفرج دور مهم في ترسيخ الاهتمام بالأدب، فقد اهتم أيضاً بالنشر. يلاحظ الشبيلي أن الفرج «بحكم هوايته للطباعة من خلال تجربته السابقة في الهند، بادر إلى تبني إنشاء أول مطبعة في المنطقة الشرقية (المطبعة السعودية بالدمام) التي سعى إلى تأسيسها بدعم من الملك سعود، وقد سافر إلى ألمانيا من أجل شرائها، وتابع تركيبها خلال إقامته الاستشفائية في سوريا ولبنان في العامين الأخيرين من حياته، لكنه لم يحضر تشغيلها، وقد أتاح تأسيسها للصحف الأهلية الناشئة في المنطقة الشرقية آنذاك أن تطبع محلياً».
نظم خالد الفرج ملحمة «أحسن القصص» التي طُبعت في القاهرة عام 1929 في 130 صفحة، وهي مطولة شعرية غطت العقود الخمسة الأولى من حياة الملك عبد العزيز منذ ولادته سنة 1876، حتى دخل الحجاز في حكمه سنة 1925، والملحمة مقسمة إلى 20 فصلاً تشتمل على 800 بيت. وكذلك الملحمة البائية «الخَبَرْ والعيان في تاريخ نجد» في 500 بيت، نظمها على مرحلتين بين عامي 1947 و1948م، وفي مطلعها:
إلى مَجدِكَ العَلياءُ تُعزَى وتُنسَبُ
وفي عَدْلِكَ الشَّرْعُ الشَّريفُ مُمَثَّلٌ
وفي ذِكْرِكَ التَّاريخُ يُمْلِي ويَكتُبُ
وفي حُكمِكَ الأمثالُ تُتلى وتُضْرَبُ