في شؤون «اليمننة» وغيرها من ظواهر اضطراب الشرق الأوسط، لا تتوقعوا ممن يكتبون عنها الإتيان بجديد. لأنَّ ما يُقال عن كل شيء، في كل العالم، غير جديد؛ إنَّها دورة قديمة مستديمة، مآسيها تتجدَّد ومسارحُها تتعدد.
عدا الشؤون والابتكارات العلمية... يتكرر جُلّ، ما لم يكن كُلّ ما يُكتَب وتقرأونه وتشهدونه عن كل شيء في كل العالم. «الماضي يكرر نفسه في الحاضر مرة تلو أخرى...» كما يقول الكاتب المسرحي الأميركي يوجين أونيل.. وإذ تكرر، يتكرر، وسيتكرر بتفاصيل مختلفة قليلًا:
«لا أرانَا نقول إلا معاراً أو معاداً من (فعلنا) مكرورا»
معروفٌ للعالمين إذن أنَّ للكبار والصغار - قياصرة وأباطرة، عمائم وقلنسوات، أهلة وصلباناً معقوفة وغيرها ونجوماً، رؤوساً وذيولاً على حد سواء - مطامح قديمة قِدم الخلق متجددة تجدد الحياة.
ومعلومٌ لماذا تشتعل الحروب ومساق أخبارها. والصراعات علامَ تستعر ومن يغنم جدواها. والنزاعات إلامَ تنتهي وماذا تترك وراءها. ومُدرَكٌ أن الفوضى تأخذ مجراها وتسري عدواها.
وبسبب هذا وذاك نشهد في كل ساحات النزاع، بالوكالة وبالأصالة، كيف تتعاظم المعاناة الإنسانية وينهار الاقتصاد، وتنشأ مصالح ترفع شأناً وتغض غيره، تظهر أسماء وتتلاشى وجوه. تنتعش العصبيات وتزدهر «فيدرالية الميليشيات» قبل أن تنحسر بالوطنيات وتنكسر. ونرى المجتمع حين ينقسم، وسيُرى لما يلتئم. ونشهد الأفكار حين تصطدم، ثم ستُشهَدُها تصطلح.
كذلك نشهد المزايدات مضطرمة، مرفقةً برسوم خرائط موهومة، وانتشار نظريات مؤامرة مزعومة؛ أما الأخيرة فحركتها دائبة محمومة!
لا نتفجع إذن من عدم تصور المستقبل حين يُظلِمُ طريق الحاضر إليه، ولا نستغرب انعدام الخلاف عليه والاهتمام به والتفكير فيه. ولا تذهلنا أزليةُ تصاعد موجة «التفاهة» و«التتفيه» أمام تعظيم وتنوير العقل؛ مع ديمومة شيوع قوى التطرف والتخلف ضد مسارات الاعتدال والتقدم «لتتميز بضدها الأشياء».
ولا غرو أن لكل ما حدث ويحدث وسيحدث ما يبرره ومَن يبرره. بُورِك في المُبرِرين والمكررين من أبد الآبدين!
سيداتي آنساتي، سادتي القراء «هراء... هراء... هراء يملأ الأرجاء»... ترون يومياً كيف يتم إحياء مسائل ميتة، إماتةً لمشاغل حية. من السبب، يا تُرى؟ فلاسفةٌ وعلماءُ نفسِ، سبقتهم الملائكة إلى اكتشاف سِر «الإنسان شَرُ الأرض». بسبب «لا إنسانية» هذا الإنسان تتضرر الإنسانية. يقول أدونيس: «ما هذا الإنسان... الذي لا نعثر على اللا إنساني... إلا فيه»!
يتكرر وقوع وقراءة كل «هراء لا إنساني» سبق وقوعه وكتابته ما دام الإنسان بشروره وأطماعه وتعصبه وتطرفه السياسي والديني والفكري، بقلنسوته أو عمامته أو ثوبه يُفقِر ويَضر ويدمر ويُفني.. تمريراً لسياسة معينة، وتحقيقاً لوعدٍ قديم، وتجسيداً لهدفٍ بعينه يؤذي الناس، ويُخِل بميزان الكون.
المتطرفون إخوة، همهم واحد، وأمهاتهم شتى وبِهِم أوطانهم وشعوبهم تشقى... فلا استثناء أو استقرار يتخلق بالتطرف العارم والوهم الجارف.
إن مآسي اللا إنسانية التي تحتل صدور الصحف وأغلفة المجلات، وتغمر صفحات الكتب والمجلدات، فضلاً عن «ترندات» فضاء التواصل الاجتماعي، يتعين معالجتها - أيتها العزيزات وأيها الأعزاء - بتكرار دعوات واعية وواقعية إلى تجارب السلام الإنسانية، دونما يأسٍ أو ملل. وأن تخط الأقلام وتنقر الأنامل مبتكِرةً - ما استطاعت الابتكار - ومكرِرةً - أيضاً، ما استطاعت التكرار - تشجيع تنفيذ كل مشاريع ومبادرات وأحلام الاعتدال والتعايش والتسامح والسلام، والنماء والإعمار والازدهار لمنفعة كل الأنام. «كل حربٍ آخرها سلام».
فلا يُترَك حصان الأذى وحيداً يعبث في الميدان، بل يُدفَع بعيداً بتوجيه الطاقات مثلاً إلى تطوير المعارف بدءاً من «المدارس لا المتارس».
وعوضَ صرخات الموت لترتفع أصوات الحياة تُجسد صورة يمن الغد المُنْتَظَر انسجاماً مع محيطه. وعزاءً ومواساةً للثكالى والأرامل واليتامى والمكلومين والمشردين ووفاءً للضحايا والشهداء ليشتد العزم مَضاءً على بلوغ #السلام_لليمن، ولكل العالم، بتكرار محاولات إبعاد «الإنسانية» عن شرور «اللا إنسانية» المتكررة... بكثرة.