علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

لماذا عادى أبو سليمان علم الكلام؟

استمع إلى المقالة

في دفاعِه عن علمِ الكلام في كتابه «أسلمة العلوم الإنسانية: عنوان وهمي لا واقع موضوعي له»، يبدي الشيخُ اللبنانيُّ عثمان عبد القادر الصافي امتعاضَه واستياءَه لمّا وجد مطعناً في أكثر من موطن في كتاب «إسلامية المعرفة: المبادئ العامة - خطة العمل - الإنجازات» في علم الكلام. ويعزو طعن هذا الكتاب في هذا العلم إلى ما اشتهر من الذَّم لعلم الكلام من دون الإشارةِ إلى وجوبِ التفريق بين ما جنح فيه منه، وما يتوجب اتجاهه.

يعلّق الشيخ عثمان على طعن كتاب «إسلامية المعرفة» بعلم الكلام، فيقول: «هذا مع العلم بأنَّ الكتاب المشار إليه هو كتاب (كلام) من ألفه إلى يائه»!

من مواطن طعن هذا الكتاب في علم الكلام، هذا القول الوارد في مقدمته: «فبدأت عمليات مختلفة يمكن أن نطلق عليها اسم (الغزو الفكري) عمدت إلى إدخال أبواب من الفلسفة وما وراء الفلسفة والجدل والمراءِ في ثنايا ما عرف باسم (علم الكلام) وما جر إليه (علم الكلام) – بعد ذلك – من السفسطات والتأويلات الملتوية الدقيقة، وما استتبع كل ذلك من آثار عقيدية وفكرية وخيمة وتمزق وتشتت وظهور لشتى النحل والآراء الباطنية التي مزقت وحدة الأمة وأشغلت الأمة وعلماءها وعامتها من الجادة المستقيمة والمسيرة السليمة وعن الينابيع الصافية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وانتهت بهم تلك الانحرافات الفكرية إلى التفرق والتمزق والتحول إلى نحل وآراء وأهواء كانت بعض نتائجها تلك الهزائم الساحقة أمام الغزاة من التتار والصليبيين».

الشيخ عثمان أزهري سلفي من سلفيي مدينة طرابلس القدماء. أشير إلى توجهه السلفي، لكيلا يظن الذي لم يقرأ مؤلفاته أو بعضها أنه من المدرسة العقلية في الفكر الإسلامي الحديث بسبب دفاعه عن علم الكلام في كتابه الذي نوّهت باسمه أعلاه.

كتاب «إسلامية المعرفة» الذي جادله الشيخ عثمان في عنوانه وفي مضامينه، صدر في طبعته الأولى عام 1981، ضمن «سلسلة إسلامية المعرفة»، وكان هو الكتاب الأول في كتب هذه السلسلة التي أصدرها المعهد العالي للفكر الإسلامي في أميركا.

الكتاب ليس على غلافه اسم مؤلف ولا أسماء مؤلفين لأنه أريد له أن يكون باسم المعهد العالمي للفكر الإسلامي مع أول تأسيس له في عام 1981.

تقول دعاء فينو في بحث لها عنوانه «بين إسلامية المعرفة وإصلاح الفكر الإسلامي: قراءة في كتاب إسلامية المعرفة، وكتاب إصلاح الفكر الإسلامي»، منشور في مجلة «إسلامية المعرفة» العدد 48، السنة 2007، عن كتاب «إسلامية المعرفة»: «هو خطة عمل منهجية. هذه الخطة كتبها الأستاذ الدكتور إسماعيل الفاروقي بعد مؤتمر إسلام آباد بالإنجليزية، ثم أعاد تحريرها بالعربية الأستاذ الدكتور عبد الحميد أبو سليمان. أضيف إليها أوراق عمل الندوات الكبرى التي عقدها المعهد بعد المؤتمر الأول، إلى جانب تقرير مختصر عن إنجازات المعهد حتى صدور الكتاب الذي بين أيدينا للمراجعة، والذي نُشر في عام 1986».

ومع أن دعاء فينو من أهل الدار - أقصد دار «إسلامية المعرفة وأسلمة المعرفة» – فإن ما قالته عن دور عبد الحميد أبو سليمان في كتاب «إسلامية المعرفة» ليس دقيقاً، فهو مؤلف مشارك في هذا الكتاب. ولعلها أرادت بما قالته عن دوره فيه أن تنصفه أمام بعض أتباع مدرسة المعهد العالمي للفكر الإسلامي - وهم من أهل تلك الدار - الذين يعزون تأليف الكتاب بالكامل إلى إسماعيل راجي الفاروقي.وحين الحديث عن مشروع الأسلمة في مقال مقبل، سأخصص حيزاً للمشكل في معرفة من هو مؤلف الكتاب وأسباب هذا المشكل، وأحدد ما لعبد الحميد أبو سليمان فيه من مشاركة.

أما الآن فموضوعي هو الموقف المجافي والنافر من علم الكلام الذي عبّر عنه الكتاب، وما هو أصله أو مصدره عند عبد الحميد أبو سليمان، والذي سيكون مدخلاً لتبيان ما هي الشبهة الكبرى التي أثارها - من دون أن يدري - حول الجانب الإلهي والجانب النبوي في رسالة الإسلام في تفسيره للتاريخ الإسلامي في زمنه المبكر، والذي تقدم بسطه في مقالات سابقة.

عبد الحميد أبو سليمان، قبل أن يصدر كتاب «إسلامية المعرفة» وقبل تأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بسنوات، قام بذلك الموقف. قاله في بحثه «السياسة والحكم في الإسلام» عام 1973.

فعلم الكلام أو علم التوحيد في هذا البحث «انحرف بأصالة الفكر الإسلامي في قيام العلاقات والمعاملات على أساس العقائد، وانتهى بعلم العقائد، لأن يصبح في جوهره مجرد رد فعل للإطار اليوناني المسيحي في قضايا الذات والصفات والقضاء والقدر، فهل الله واحد أم ثلاثة، وهل له يد أم ليس له يد، وهل الإنسان مخير أم مسيّر».

وبعد مُضي سنوات على صدور كتاب «إسلامية المعرفة» وعلى تأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، أعاد قوله في كتابه «أزمة العقل المسلم» الصادر في عام 1986 بألفاظ قريبة وبالمسوغات نفسها التي وردت في كتاب «إسلامية المعرفة» وفي بحثه «السياسة والحكم في الإسلام».

وهذا لا يعني أنني أرى أن موقفه الجافي والنافر من علم الكلام يخصه وحده في كتاب «أسلمة المعرفة»، فموقفه وموقف أستاذه الفكري الفاروقي متطابق في هذا الناحية.

موقف عبد الحميد أبو سليمان المعادي لعلم الكلام وللفلسفة، قد يعتقد من هو ليس على علم جيد بخريطة المذاهب الفقهية في السعودية، أنه متأثر بخصومة الحنابلة مع علم الكلام ومع الفلسفة بحكم أنه سعودي. وإذا علم من سيقول بهذا التعليل أنه من أسرة مكية شافعية، ربما سيعلل ذلك الموقف بتأثره بمؤلفات الشافعية في النهي عن علم الكلام وذمّه.

أعلل موقفه المعادي لعلم الكلام وللفلسفة، بأنه كان مستمداً من موقف سيد قطب إزاءهما. فسيد قطب منذ أول كتاب إسلامي له، وهو كتاب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» ناصب الفلسفة الإسلامية العداء. وللحديث بقية.