في أول لقاء لهما بعد فترة من الإعجاب المتبادل عبر منصة «إكس»، التقى الجمعة الماضية الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي، بإيلون ماسك الملياردير الأميركي مالك المنصة وشركة «تسلا» لصناعة السيارات الكهربائية. هناك الكثير من الصفات المشتركة بين الرجلين؛ كلاهما لا يميل إلى الأسلوب التقليدي في الإدارة، فالرئيس الأرجنتيني المتخصص في الاقتصاد والذي بنى مسيرته المهنية من خلال برامجه التلفزيونية، فاز قبل عدة أشهر بعد أن وعد بإجراءات تقشفية لتغيير مسار الاقتصاد الأرجنتيني الذي عانى من نكبات عديدة خلال العقود الماضية، أما ماسك فأسلوبه المعتاد يعبر عن صعوبة التنبؤ بآرائه وأفعاله. فما هي المصالح المشتركة بين رجلين أقل ما يقال عنهما إنهما مثيران للجدل؟ ولماذا يكشف هذا اللقاء عن تحوّل في العلاقات الأرجنتينية - الأميركية؟
بحسب وسائل الإعلام، فإن النقاش بينهما كان حول «الحاجة إلى تحرير الأسواق» و«أهمية إزالة العقبات البيروقراطية التي تبقي المستثمرين بعيداً»، ولكن النقطة الواضحة المشتركة بينهما هي الليثيوم، والذي يعد «عنق الزجاجة» في صناعة السيارات الكهربائية. ويمتلك ماسك إحدى أكبر شركات تصنيع السيارات الكهربائية في العالم، والأعلى قيمة سوقية بفارق شاسع عن غيرها. أما الأرجنتين فلديها مخزون هائل من الليثيوم يقدر بنحو 2.7 مليون طن، وتأتي في المركز الثالث عالمياً بعد تشيلي التي تمتلك احتياطياً يقدر بـ9.3 مليون طن، وأستراليا بـ6.2 مليون طن. ولا تزال الأرجنتين في بداية استثمارها في تعدين الليثيوم مقارنة بغيرها من الدول.
وتأتي خطوة ماسك نحو الأرجنتين بعد إطلاقه منشأة الليثيوم الضخمة في ولاية تكساس العام الماضي مستثمراً نحو 365 مليون دولار في مصنع سمّاه «آلة سك النقود»، ويراهن أن يسهم هذا المصنع في إنتاج ما يكفي من الليثيوم لتصنيع مليون سيارة سنوياً بحلول العام المقبل، ليكون بذلك أكبر منشأة لمعالجة هذا المعدن الجوهري في أميركا الشمالية. ويجدر بالذكر أن توفر هذا المعدن ليس النقطة الحرجة في سلسلة قيمته، بل في تكرير هذا المعدن ومعالجته، والذي تسيطر الصين على نسبة لا يستهان بها فيه.
هذه النقطة تحديداً هي ما تزيد أهمية لقاء مايلي وماسك، فالليثيوم جوهري في التحول الأخضر الذي تسعى نحوه العديد من دول العالم، والبطاريات عموماً، وعبر التقنيات الحالية المتوفرة، تعتمد بشكل جذري على هذا المعدن. وتشير التوقعات إلى أن الإيرادات السنوية لسلسلة القيمة للبطاريات ستصل إلى نحو 400 مليار دولار، ستمتلك الصين منها ما نسبته 46 في المائة، ودول الاتحاد الأوروبي نحو 30 في المائة، والولايات المتحدة نحو 16 في المائة، وستتقاسم بقية دول العالم المتبقي من هذا الرقم.
ولذلك، فإن هذه الشراكة المتوقعة بين الأرجنتين و«تسلا» هي شراكة استراتيجية بين دولتين، تسهم في منافسة «تسلا» للمصنّعين الصينيين، الذي تفوقوا في بعض الفترات على السعة التصنيعية لـ«تسلا» التي بدأت بالفعل في توسيع محفظتها الاستثمارية من تصنيع السيارات فحسب إلى الاستثمار في الصناعات التعدينية التي ترتكز عليها السيارات الكهربائية. كما أن «تسلا» بهذه الخطوة تريد تقليل تكاليف التصنيع بتقريب مصادر الليثيوم من مراكز تصنيعها لتجعل جميع عناصر سلسلة القيمة قريبة منها جغرافياً.
أما مايلي، فهو واضح في رغبته بالتقرب للولايات المتحدة، وهو لا يشبه في ذلك الرؤساء السابقين للأرجنتين الذين تنافسوا في انتقاد سياسة واشنطن، بل سبق لمايلي التصريح بأنه يفكر في «دولرة» الاقتصاد الأرجنتيني بالاعتماد الكامل على الدولار الأميركي كعملة محلية. ومنذ فوزه بالرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كانت هذه الزيارة ثالث زيارة للرئيس الأرجنتيني للولايات المتحدة، وهو ما انتقده معارضوه السياسيون. وقد تكون شراكته مع ماسك هي أولى خطوات الشراكة الأرجنتينية - الأميركية، ورسالة صريحة للحكومة الأميركية أن الأرجنتين تريد أن تكون حليفاً استراتيجياً واقتصادياً لأميركا.
إن كل ما ظهر من لقاء ماسك ومايلي هو صورة باسمة لهما، مع تعليق واحد وهو: نحو مستقبل ملهم، والتصريحات الصحافية لم تكشف عن كثير من المعلومات عما دار بينهما، ولكن ما يبدو من هذا اللقاء أنه بداية شراكة نافعة للطرفين، فالأرجنتين بحاجة إلى استثمارات طويلة المدى كالتي تضيفها «تسلا»، واستراتيجياً هي بحاجة إلى استثمارات أميركية مهمة على أراضيها. أما الولايات المتحدة فهي كما كانت دائماً تسعى لكسر هيمنة الصين على السيارات الكهربائية والبطاريات خصوصاً، وتبدو الأرجنتين خياراً مناسباً لها في الوقت الحالي، لا سيما مع وجود إرادة سياسية كالتي يوفرها مايلي.