في عالمنا العربي توجسٌ خفي وتوجسٌ مُعلن من تخصيص المرافق التي تديرها الحكومة، وطرحها في منافسات ليديرها القطاع الخاص.
وسبب التوجس المعلن أن الدول العربية حديثة عهد باستقلال، وتحاول الحفاظ على سيادتها الحديثة وتخشى أن يعود الاستعمار بثوب جديد اسمه الاستثمار. أما التوجس الخفي فله سببان السبب الأول، أن هناك مستفيدين من عدم التخصيص لذلك لا يريدون طرح هذه المرافق للتخصيص، والاستفادة هنا نوعان استفادة معنوية من خلال السلطة وتملك القرار في هذه المنشأة وذلك من خلال الأوامر الصادرة من المشرف سواء كان وزيراً أو غيره، النوع الثاني من يستفيد من المنشأة عبر الفساد والسرقة التي يحاول شرعنتها عبر عدة طرق منها طرح المنافسات التابعة للمنشأة لشركة تملكها زوجته أو ابنه. كذلك خوف المستفيدين من الخدمة (الجمهور) من أن تقدم هذه الخدمة بثمن بعد أن كانت تقدم مجاناً.
هذه الأسباب مجتمعة أخّرت طرح مؤسسات الدولة للقطاع الخاص، وأصبحت الدولة هي الخصم والحكم، فهي التي تُشرِّع وهي التي تدير، وترهلت مؤسسات الدولة وعثت بها البيروقراطية.
قد تكون بعض هذه الأسباب وجيهة لدى البعض خاصة فيما يخص السيادة، ولكن لننظر للمكاسب المتحققة من تخصيص المنشآت الحكومية، أولاً تخفيف العبء عن الحكومة من حيث رواتب الموظفين، لأن المنشأة ستدار بطريقة ربحية، المؤسسة ستكون مجبرة على إعلان قوائم ربع سنوية، ما يجعل أداءها علنياً ومكشوفاً، ما يسهل محاسبتها، وأنها ستخضع للحوكمة، والمكسب الآخر أن هذه المنشآت قد تدفع رواتب أعلى من الحكومة، لأنها تريد الحفاظ على الموظف المنتج، كما أنها لا تخضع لسلم رواتب يعتمد الأقدمية، والأهم من ذلك تفريغ الحكومة للتشريع والمراقبة بدلاً من التشغيل.
وفي السعودية والخليج قامت الحكومات بتخصيص مرافق يعدها البعض حساسة وتُعدُّ في صلب الأمن القومي، مثل شركات النفط، وقد قامت السعودية بتخصيص شركة «أرامكو» التي كان البعض فيما مضى يعد تخصيصها خطاً أحمر.
وقامت السعودية بتخصيص المطاحن، وهي بصدد تخصيص الموانئ، وتماثلها دول الخليج.
في حين لا يزال يدور جدل كبير في مصر، مفاده أن الحكومة تبيع أصولها! في المقابل نجد التجربة ناجحة في الخليج، ولو استعرضنا التجارب التاريخية في العالم العربي لوجدنا إدارة القطاع الخاص أكفأ من إدارة الحكومة، فقد كانت هناك صناعة مزدهرة في العالم العربي للمنسوجات والحديد والصلب وغيرها، وكانت ناجحة، وعندما أُمِّمَت هذه الصناعات وأدارتها الحكومة فشلت هذه الصناعات ولم تستطع التقدم للأمام ولو خطوة واحدة. ودمتم.