زعماء الأحزاب السياسية البريطانية بدأوا الحملة الانتخابية قبل انعقاد البرلمان عقب عطلة أعياد الميلاد.
الانتخابات العامة يجب أن تتم خلال اثني عشر شهراً على الأكثر حسب قانون تحديد المدة البرلمانية بخمس سنوات (الانتخابات الأخيرة كانت في ديسمبر/كانون الأول 2019)، لاختيار الحكومة القادمة التي يشكلها الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد مجلس العموم.
ريشي سوناك، رئيس حكومة المحافظين، وضع حداً للتكهنات حول موعد الانتخابات، بقوله للصحافيين إنها ستكون في الخريف.
سوناك بتصريحه الخميس الماضي سرق الأضواء من زعيم المعارضة العمالية السير كيير ستارمر، في يوم مؤتمره الصحافي لإعلان سياسة حزبه وتحديه المحافظين بإجراء الانتخابات، متهماً سوناك بالافتقار للشجاعة اللازمة لمواجهة الناخب.
ستارمر لم يقدم خططاً اقتصاديةً بديلةً مقابل وعد المحافظين بتقليل الضرائب بجانب التخفيضات التي قدموها بالفعل وتدخل حيز التطبيق هذا الأسبوع. ورغم أنه انتقد حكومة سوناك في تجميدها الحد الأدنى للإعفاء الضريبي (حالياً 12570 جنيهاً إسترلينياً في العام للفرد)، الذي يرتفع تقليدياً كل عام، إلا أن ستارمر رفض أن يعد بزيادة الحد الأدني لمساعدة الفقراء على مواجهة غلاء المعيشة مع ارتفاع معدلات التضخم حال توليه الحكم، رغم تكرار أسئلة الصحفيين في المؤتمر وفي مقابلات لاحقة مع الشبكات الكبرى. الملاحظ أن راتشيل ريفز، وزيرة مالية حكومة الظل، قالت هي الأخرى في اليوم التالي إن حكومة عمالية لن تخفض الضرائب.
سوناك، بنجاحه في سرقة الكاميرات والميكروفونات من زعيم المعارضة، خلق فرصة تمكنه من إيصال رسالة عبر الوسائل الصحافية بأن حكومته ستقدم مزيداً من التخفيضات الضرائبية، وأنه يريد إصلاح الاقتصاد باستمرار المحافظين في الحكم حتى الخريف.
تصريحات سوناك تتجاوز المناورات الكلامية لأنه بالفعل يأمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية، وأن تأتي التخفيضات الضريبية بفوائد تقنع عدداً أكبر من الناخبين بمنح أصواتهم لحزبه في أكثر من 325 دائرة من الدوائر الانتخابية الـ650.
سوناك يراهن على أن المستثمرين ورجال الأعمال والشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات المؤثرة في الاقتصاد تتوجس عادة من العمال وسياستهم المالية والاقتصادية، خصوصاً وأن كيير ستارمر لا يبدو حازماً في اتخاذ القرارات، ومن ثم يأمل أن تهب لمساعدة المحافظين، بإجراءات مختلفة، بداية بتخفيض الأسعار إلى تسهيلات قروض العقار، مما قد يزيد من شعبية المحافظين.
التحدي الأكبر الذي يواجه المحافظين هو كيف يمكن إقناع العدد الأكبر من الناخبين بأن برنامجهم الاقتصادي هو الأفضل، ناهيك عن كيف تصل الرسالة للناخبين بأن الوضع الاقتصادي لن يتحسن، بل غالباً سيتحول للأسوا تحت حكم العمال؟
الزعيم العمالي ستارمر يراهن بدوره على عوامل تعمل ضد المحافظين. أولها الغريزة الطبيعية بالاتجاه إلى التغيير لدى الناخب البريطاني؛ فبنهاية العام يكون المحافظون أكملوا في الحكم أربعة عشر عاماً (خمسة منها في ائتلاف مع الديموقراطيين الأحرار).
العامل الآخر أن غالبية الصحافة والشبكات الإذاعية يسارية ليبرالية مناهضة للمحافظين، وتغطيتها، خصوصاً البرامج التحقيقية، تركز على كشف السلبيات في برنامج سوناك الانتخابي.
كما يراهن العمال على انقسام أصوات الوسط ويمين الوسط بين المحافظين وبين «حزب الإصلاح»، وهو حزب يمين وسط جديد ببرنامج انتخابي تقليدي محافظ.
حزب الإصلاح بزعامة رجل الأعمال ريتشارد تايس يتهم المحافظين بأنهم تحولوا إلى اليسار الاشتراكي، وأنهم خيبوا آمال الطبقات العاملة، خصوصاً الدوائر الخمسين التي صوتت للمحافظين في مناطق الشمال الصناعي التي كانت تصوت تقليدياً للعمال. ويعد تايس ببرنامج محافظ تقليدي يخفض الضرائب ويلغي كثيراً من سياسات البيئة الخضراء التي تثقل كاهل الفقراء بالضرائب، كما يهدد بوضع مرشحين في الدوائر الـ650 كلها.
حزب الإصلاح هو النسخة الجديدة من حزب «بريكست» الذي أسسه نايجل فاراج في 2018، ولا يزال الرئيس الشرفي للحزب. فاراج، الذي كان نائباً عن حزب «استقلال المملكة» في البرلمان الأوروبي، يتمتع بشعبية كبيرة بين الطبقات التي صوتت لـ«بريكست».
كثير من البريطانيين، خصوصاً الليبراليين واليساريين، يتهمون فاراج بالعنصرية والزينوفوبيا، وعدد من البنوك رفضت فتح حسابات له، لكنه من وجه نظر كثير من المحللين يعد «أبو البريكست».
في انتخابات عام 2019، وبلا أي اتفاق مسبق مع المحافظين، سحب فاراج مرشحي حزبه من الدوائر التي تصوت تقليدياً للمحافظين، خصوصاً وأن زعيم المحافظين وقتها، رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، اتخذ موقفاً حازماً من الاتحاد الأوروبي ومضى في «البريكست».
خطوة فاراج في الانتخابات الماضية أدت إلى تكثيف أصوات اليمين والتقليدين والطبقات العاملة، وأغلبها مع «البريكست»، في هذه الدوائر لصالح المحافظين، ففازوا بأغلبية 80 مقعداً برلمانياً.
«الإصلاح» ينوي خوض الانتخابات في جميع الدوائر ويرفض تكرار مبادرة فاراج في 2019.
«الإصلاح» في استطلاعات الرأي يأتي في المركز الرابع بعد المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار. لكن النظام الانتخابي بنظام الدوائر لا يمنحهم أي مقاعدـ بل يمنح «الخضر»، وهم في المركز السادس، مقعداً واحداً.
وإذا انعكست نسب استطلاعات الرأي في تصويت الانتخابات القادمة فسيقتصر نصيب المحافظين على 207 مقاعد، بينما يفوز العمال بأغلبية من 341 مقعداً.