هجر كثير من الصحافيين مهنة الصحافة واتجهوا للعلاقات العامة، التي توفر لهم مناخاً مهنياً واحترافياً، وفي حالات كثيرة أجراً أعلى.
وأنا شخصياً أعدّ هذا أمراً جيداً، لأنه طريقة طبيعية لفلترة القوى العاملة في الصحافة التي يدخلها الكثير، ويبقى فيها القليل.
وهذا ما يعرف في عرف الإدارة الأميركية باسم «تنظيف بركة السباحة»، حيث تعمل الشركات على الاستغناء بصورة سنوية عن كثير من الموظفين الذين تعتقد أنهم ليس بمقدورهم أن يكونوا منتجين. في الغالب «تنظيف البركة» يستهدف الاستغناء عن 5 بالمائة من الموظفين وإحلالهم بخريجين مميزين من الجامعات. إلا أن التنظيف في الصحافة ليس مبادرة من المؤسسة؛ بل من الصحافيين أنفسهم.
الأسباب التي تدفع هؤلاء للخروج كثيرة؛ أولها أنهم في الأصل لم يكونوا صحافيين، ولكنهم كانوا ممارسين للصحافة لا غير. الأمر الثاني القيود في المهنة، حيث يواجه الصحافي أنواعاً مختلفة من الرقابة.
الأمر الثالث والأهم هو الاستقرار الوظيفي وإمكانية التدرج داخل الشركات، فيما الهيكل الإداري في الإعلام ليس بالمرونة والتشعب الذي نجده في أقسام الاتصال المؤسسي والعلاقات العامة. هذا بالإضافة إلى الحوافز المالية.
في الحقيقة كثير من هؤلاء صحافيون، حتى إن اتجهوا لمهنة أخرى، وسيظلون يفكرون كصحافيين بل يتمنون العودة لمهنة البحث عن المتاعب.
لكن الأمور ليست واحدة على كل حال لكل أنواع الصحافة. مستقبل الصحافة اليوم يعتمد على الصحافة المتخصصة، ومن بين فروعها الصحافة الرياضية والاقتصادية.
توفر الصحافة الاقتصادية اليوم فرصة كبيرة جداً لندرة من يعملون بها وحاجة السوق لهم، خصوصاً مع تطور الأسواق المالية في المنطقة وعمليات التحول الاقتصادية التي يعلن عنها.
ومع هذا ما زلنا لا نجد صحافيين مؤهلين بما يكفي، وإن وجدوا فسوف يتم إغراؤهم بالمال من قبل شركات العلاقات العامة، أو أقسام التواصل المؤسسي لاستقطابهم.
هناك فرص كبيرة في هذا المجال خصوصاً بعد إطلاق خدمة «اقتصاد الشرق مع بلومبرغ» الإخبارية بجميع منصاتها، وإطلاق قناة العربية لخدمة «العربية بزنس» على تردد مستقل.
والسؤال هنا: كيف سنواكب كل هذا التطور والتحول الاقتصادي في المنطقة من دون صحافيين اقتصاديين كفاية؟!!
المجموعة السعودية للإعلام والأبحاث من خلال أكاديميتها تحاول تأهيل الشباب في هذا المجال، لكن المشكلة أعمق من مجرد تأهيل وتدريب، بل مشكلة هيكلية في صناعة الإعلام، ولا بد أن نجد لها حلولاً، وإلا ستكون هناك فجوة مهنية كبيرة بين الإعلام والاقتصاد.