تابع ماريو فويجت، زعيم الحزب المحافظ الرئيس في ألمانيا، بقلق سلسلة الانتصارات البطيئة، لكن المستمرة، التي حققها حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف.
داخل موطنه في ولاية تورينغن بشرق ألمانيا، فاز «البديل من أجل ألمانيا»، الشهر الماضي، بمقعد حاكم الضاحية، ما أعطى الحزب اليميني المتطرف سلطة بيروقراطية على منطقة ما للمرة الأولى.
منذ الربيع، لم يكسب «البديل من أجل ألمانيا» سوى مزيد من الزخم. ونال الحزب 4 نقاط إضافية على الأقل في استطلاعات الرأي منذ مايو (أيار)، لترتفع معدلات شعبيته إلى 20%، ويتجاوز «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» الحاكم، والمنتمي إلى يسار الوسط ليصبح بذلك ثاني أقوى حزب في ألمانيا. وكشف استطلاع آخر نشرت نتائجه مؤخراً، أن «البديل من أجل ألمانيا» يحظى بمستوى تأييد قياسي يبلغ 22 في المائة.
واليوم، يزحف حزب «البديل من أجل ألمانيا» في أعقاب حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، الذي ينتمي إليه فويغت، وكذلك المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، والذي لا يزال يعتبر الحزب الأكثر شعبية بالبلاد، لكنه يجلس اليوم بصفوف المعارضة.
خلال مقابلة أجريت معه، قال فويجت: «الآن نقف عند منعطف حاسم. وعلينا أن نعي أنه إذا لم نظهر أنفسنا أو نصور أنفسنا باعتبارنا المعارضة الحقيقية داخل ألمانيا، فإن الناس سينفضون من حولنا باتجاه (البديل من أجل ألمانيا)». وخلق صعود «البديل من أجل ألمانيا»، حزباً جرى النظر إليه على نطاق واسع باعتباره تهديداً للنسيج الديمقراطي في ألمانيا، أزمة أمام المؤسسة السياسية بأكملها داخل البلاد، لكنها أزمة حادة بشكل خاص أمام «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، الذين يجابه صعوبة بالغة وبادية للجميع في تحديد كيفية التعامل مع هذا التحدي».
هل يجب أن يميل الحزب أكثر باتجاه اليمين، ويخاطر بفقدان هويته الوسطية؟ هل يجب أن يستمر في محاولة عزل «البديل من أجل ألمانيا»؟ أم في ظل تزايد صعوبة ذلك، يجب عليه الخروج على الأعراف القديمة، والتعاون مع «البديل من أجل ألمانيا» بدلاً عن ذلك؟
الواضح أن هذه التساؤلات لم تربك الديمقراطيين المسيحيين في ألمانيا فحسب، وإنما كذلك الأحزاب المحافظة الرئيسية الأخرى بجميع أنحاء أوروبا، حيث قطعت الأحزاب القومية واليمينية المتشددة خطوات واسعة. جاء التطور الأحدث على هذا الصعيد في إسبانيا، حيث دخل «الحزب الشعبي» المحافظ في شراكة مع حزب «فوكس» اليميني المتطرف على المستوى المحلي، بل بدا الحزب مستعداً لتكرار الأمر ذاته على المستوى الوطني، إلى أن وبّخ الناخبون الإسبان «فوكس» في انتخابات الأحد.
مع اقتراب انتخابات برلمان الولايات في شرق ألمانيا، بما في ذلك براندنبورغ وتورينغن وساكسونيا، فإن العثور على إجابات أصبح حاجة ملحة أمام الديمقراطيين المسيحيين في البلاد. وسعياً وراء تحقيق انتصارات محتملة في ألمانيا الشرقية السابقة، تعهد حزب «البديل من أجل ألمانيا» بإثارة «زلزال سياسي» خلال الأشهر المقبلة.
في الوقت الحالي، تجاوز «البديل من أجل ألمانيا» المصاعب السياسية التي سبق وأن جابهها، خاصة أن تأييد ألمانيا لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، وأزمات الطاقة واللاجئين التي أشعلتها الحرب، أدى إلى تأجيج المخاوف الألمانية. ومع تصاعد المخاوف، ارتفعت معدلات تأييد «البديل من أجل ألمانيا».
وبينما تحاول الحكومة الحالية التي يترأسها المستشار أولاف شولتس، المنتمي للحزب الديمقراطي الاجتماعي، إعادة توجيه سياسات ألمانيا الاقتصادية والأمنية، يرى نقاد إنها لم تطرح حجتها بشكل مقنع بما يكفي لكثير من الألمان.
في هذا الصدد، أعرب فويجت، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي داخل برلمان ولاية تورينغن، عن اعتقاده بأن: «الحزب ورؤيته العالمية الأكثر اعتدالاً ليسا مجهزين حقاً للتعامل مع الوضع السائد في هذا الوقت، عندما نقف في مواجهة حرب، وأزمة طاقة، والآن، في ظل حكومة تحاول التأثير آيديولوجياً على حياة الناس، الأمر الذي تترتب عليه تكاليف باهظة».
وأضاف: «هذا في اعتقادي يجبر الاتحاد الديمقراطي المسيحي على الإجابة عن سؤال: من أنتم؟ ما منظوركم المختلف؟».
وتبدو هذه المحاولة للبحث عن الذات نقلة مثيرة لحزب ظل حتى 2021 مهيمناً على السلطة السياسية في برلين لما يقرب من عقدين من الزمن في عهد ميركل. اليوم، يبدو الحزب منهمكاً في جدال عام، فوضوي بعض الأحيان، حول كيفية مواجهة فترة يسودها الغضب والشكوك.
من جهته، بدا أن فريدرش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي، خلال مقابلة تلفزيونية، الأحد، يفتح الباب أمام التعاون مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف على مستوى الحكومات المحلية. ويأتي ذلك رغم أن الحزب قد تعهد في السابق بعدم التعاون على أي مستوى مع «البديل من أجل ألمانيا»، الذي صنفته وكالة الاستخبارات المحلية الألمانية باعتباره تنظيماً متطرفاً «مشتبهاً به».
وقال: «على مستوى البلديات، تقدمت السياسة الحزبية بعيداً بعض الشيء على أي حال. جرى الآن انتخاب حاكم ضاحية في تورينغن. وبالطبع، هذه انتخابات ديمقراطية. في ولاية سكسونيا انهالت، داخل مجتمع صغير، جرى انتخاب رئيس بلدية ينتمي إلى حزب (البديل من أجل ألمانيا). وبالطبع، هذه انتخابات ديمقراطية. علينا قبول ذلك».
وبعد أن أثارت تعليقاته غضب بعض أعضاء حزبه، تراجع عنها ميرتس. وقال أحد نوابه، كارستين لينمان، إن ميرتس كان يوضح فحسب «مدى صعوبة تنفيذ السياسات على الأرض».
من جهته، وصف نوربرت روتجن، عضو في البرلمان عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، نتائج الاستطلاع الأخير الذي أظهر صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا»، بأنه «كارثة» و«إنذار» لـ«جميع أحزاب الوسط».
وقال إن حزبه يحتاج إلى «أن يسأل نفسه بشكل نقدي: لماذا لا نستفيد عملياً من هذا الاستياء الكبير تجاه الحكومة؟».
من جهة أخرى، ينظر بعض الخبراء السياسيين إلى عودة «البديل من أجل ألمانيا» إلى الظهور، بوصفه تعبيراً عن رفض سياسات ميركل، خاصة مواقفها المتعلقة بالهجرة والصديقة للمناخ. وقد خلق ذلك وضعاً حرجاً بشكل خاص أمام أعضاء الحزب الحاليين.
في هذا الصدد، قال تورستن أوبيلاند، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة جينا في تورينغن، إنه من أجل كسب الناخبين مرة أخرى، «سيكون من الضروري رفض بعض سياسات ميركل». إلا أنه حذر في الوقت ذاته من أن الإقدام على ذلك ينطوي على مخاطرة تنفير آخرين من الحزب.
وقال إن الديمقراطيين المسيحيين: «سيستمرون في كونهم حزباً مهماً، لكن تبقى مسألة الفوز بالأغلبية الحاكمة مشكلة كبرى أمامهم».
من جهتهم، أعلن الكثير من أعضاء الحزب أنهم لن يلجأوا أبداً إلى الدفع بنوع الخطاب الشعبوي اليميني المتطرف، الذي يتاجر به حزب «البديل من أجل ألمانيا». وحذر ماركوس سودر، حاكم ولاية بافاريا، من أن الحزب لا يمكنه بناء حملته الانتخابية على أساس رسالة «غضب وإحباط».
وحذر من أن «التكرار ومطاردة الشعبويين لا يأتي بنتائج إيجابية. على العكس من ذلك، فإنه يقوي الكيان الأصلي اليميني، وليس النسخة».
ومع ذلك، شرع بعض أعضاء الحزب في الميل أكثر نحو اليمين. واللافت أن ميرتس تخلى، هذا الشهر، عن أحد كبار مساعديه في الحزب، كان يتولى مسؤولية صياغة الاستراتيجية السياسية اليومية، واستعاض عنه بعضو أكثر تحفظاً.
* خدمة «نيويورك تايمز»