غير المغرمين بالرياضة وكرة القدم خصوصا سيجدون هذا العنوان غريبا.. ولهم الحق في ذلك، ولا مفر من التوضيح...
كلمة «الميركاتو» هي كلمة إيطالية، وتعني السوق، وهي كلمة أصبحت لها شهرة عالمية منذ بدأ الصحافيون الإيطاليون المختصون في الرياضة يستخدمونها للحديث عن فترة انتقالات لاعبي كرة القدم من فريق لآخر. وعادة ما تجري هذه العملية مرتين في العام؛ مرة في الصيف والأخرى في الشتاء..
اليوم تطلق كلمة «ميركاتو» على فترة انتقالات الرياضيين في أغلب أنحاء العالم تقريبا، ومنها بطولات كرة القدم في البلدان العربية ليدخل هذا المصطلح القاموس الرياضي العربي من الباب الكبير..
ولكن «التوانسة» لم يكتفوا بذلك، وأبوا إلا أن يضيفوا معنى جديدا للكلمة. فبعد أن دخل مصطلح «الميركاتو» الوسط الرياضي التونسي منذ سنوات، ها هو اليوم يسجل حضوره بقوة في الوسط السياسي.
المعنى الجديد لكلمة «ميركاتو» في تونس يتعلق بانتقال السياسيين من حزب لآخر، وخاصة من بين أعضاء المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان التونسي) الذي جرى انتخابه في 23 أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2011 بعد الانتفاضة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2011.
فقد ازدهرت في تونس سوق انتقالات نواب المجلس الوطني التأسيسي من كتلة نيابية إلى كتلة أخرى بشكل لافت ومثير. وبرزت ظواهر ربما تكون فريدة من نوعها في التجارب السياسية الحديثة. وهو ما أطلق عليه البعض أيضا تسمية «السياحة البرلمانية».
ففي تونس هناك أحزاب لم تفز بأي مقعد في البرلمان في انتخابات أكتوبر 2011، وبفضل «الميركاتو» السياسي، أو «السياحة البرلمانية» أصبحت هذه الأحزاب ممثلة في هذا البرلمان بأكثر من نائب واحد. بل إن هناك أحزابا تشكلت بعد هذه الانتخابات بأشهر كثيرة، ومع ذلك أصبح لها كتلة برلمانية (العدد الأدنى المطلوب لتكوين كتلة برلمانية هو عشرة نواب)، في حين أن أحزابا فازت بمقاعد كثيرة ووجدت نفسها بلا كتل برلمانية بعد أن تفرق نوابها ومضى كل في حال سبيله نحو أحزاب أخرى.
هذه الظاهرة لا تزال متواصلة إلى اليوم. وعملية اضمحلال كتل برلمانية وتشكل أخرى جديدة، مستمرة. ذلك أنه عكس «الميركاتو» الرياضي حيث تضبط الآجال الزمنية المحددة لعمليات انتقال اللاعبين، فإن «الميركاتو» السياسي في تونس مفتوح وغير محدد بمدد، والانتقالات فيه حرة تماما.
كذلك وعكس كرة القدم، حيث لا يمكن مثلا للاعب أن يلعب لأكثر من فريقين في الموسم الرياضي الواحد، فإن بعض النواب في البرلمان التونسي حملوا حتى الآن ألوان ثلاث كتل نيابية مختلفة خلال بضعة أشهر فقط... وبعضهم على كامل الاستعداد لتغيير لونه السياسي من جديد.
المزعج حقا في الأمر ما راج من أخبار تفيد بأن بعض هذه الانتقالات جرت لقاء منح مالية معتبرة، لا لاعتبارات سياسية، وهو ما جعل بعض القوى السياسية وخاصة التي تضررت من هذه الظاهرة تطالب بالتعجيل بتقنين عمليات الانتقال هذه وحتى بمنعها.
في مثل هذه الظروف التي تمر بها تونس اليوم قد لا يهم التونسيين العاديين كثيرا الألوان السياسية لنوابهم حتى وإن تغيرت أكثر من مرة بقدر ما يطلبون من هؤلاء النواب الانحياز إلى المشاكل الحقيقية التي تواجهها البلاد مهما كان اللون الذي يحملونه.
* إعلامي تونسي
8:9 دقيقه
TT
«ميركاتو» في البرلمان التونسي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
