شذى الجبوري
صحافية عراقية عملت سنوات في بغداد ولندن والآن تغطي الشأن السوري
TT

فكر ألف مرة!

قررت الكابتن طيار السعودية نوال الهوساوي التقدم بشكوى الى القضاء بعد ان نعتتها مواطنة بوصف عنصري خلال شجار نشب بينهما.
وقالت الهوساوي، حسب ما أورده موقع قناة العربية الالكتروني، إنها تسعى الى تقديم "نموذج مختلف في التعامل مع الإساءات العنصرية"، إذ طلبت من الشرطة تسجيل محضر يوثق الحادثة، ووكلت محامين لتمثيلها، ثم تحولت القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، التي حولتها بدورها إلى المحكمة.
الهوساوي، الحاصلة على الرخصة الاميركية الفدرالية في الطيران، لم تصبح "كابتن طيار" من فراغ؛ فهي درست واجتهدت وسافرت للولايات المتحدة وحصلت على هذه الوظيفة، التي أجزم أن عدد النساء اللواتي يشغلنها في أنحاء العالم لا يتجاوز العشرات. لكن كل هذا لم يشفع لها أمام السيدة الأخرى، التي اختارت أسهل وأسرع طريقة لكسب المعركة، ألا وهي إهانتها والتقليل من شأنها بالاشارة الى لون بشرتها.
أنا لا أعرف حيثيات الخلاف ولا طبيعته بين السيدتين، وليست عندي فكرة من المخطئ ومن المصيب، لكن مهما كانت الدواعي والأسباب لا أجد أي مسوغ لهذه الإساءات التي تنتقص من كرامة الآخرين ووجودهم وإنسانيتهم.
في مجتمعاتنا أبسط شيء إهانة الانسان. ندخل في نقاش يتطور الى جدال نفقد الحجة فلا نجد أمامنا طريقا للانتصار على خصمنا سوى جرحه في الصميم عبر الإشارة الى اللون أو العرق او ربما عيب خلقي وما شابه.
الغرب ليس مثاليا، لكنه يقترب كثيرا منها، والتمييز على أساس العرق والجنس والطائفة والدين موجود، لكن في حدود ضيقة بعد أن طوقته قوانين صارمة تشدد على المساواة وتصون كرامة الإنسان وتعاقب بشدة المعتدين على حقوق الآخرين ومكانتهم.
دخلت مرة في نقاش مع مصففة شعر انجليزية في لندن حول الأجانب في بريطانيا، وفوجئت بأنها وجهت انتقادات حادة غير مبررة الى الأفارقة ووصفتهم بـ"الكسالى". ترددت كثيرا في الرد، فأنا أعي جيدا قوانين هذا البلد، فهي ليست مزحة اطلاقا، وأدرك أن سكانه حريصون جدا في ما يقولون ولا يوجهون انتقادات من هذا النوع جزافا أمام الغرباء، لأنهم يدركون العواقب.
ترددي في التعليق على الموضوع امام مصففة الشعر ذكرني بأيام صدام حسين عندما كنا نحذر من أي انتقادات للنظام يسوقها غرباء أمامنا. فاذا ما نطق شخص لا معرفة وثيقة وسابقة به، أية كلمة تمس من قريب أو بعيد رأس النظام أو أهله أو حاشيته فأول ما يتبادر الى الذهن أن هذه مكيده للإيقاع بنا عبر جرنا الى ما لا يحمد عقباه، أو ان هذا الشخص فقد عقله. وفي كلتا الحالتين لا نرد على هذا النوع من التعليقات سوى بهمهمات لا يفهم منها ان كنا نؤيد أو نعارض.
هكذا يجب أن نفكر مرتين، بل ألف مرة، قبل أن نتجرأ على إهانة اي انسان لأي سبب كان.
وعي المجتمعات الغربية وقبولها الآخر يعود الى احتضانها خليطا غريبا عجيبا من البشر من كافة أصقاع الارض، بينما تبقى مجتمعاتنا محدودة التنوع.
وفي أميركا، على سبيل المثال، يعرفون الإنسان بحقوقه قبل ان يعرفونه بواجباته. ويعلمون المتجنسين الجدد أن جميع الأميركيين متساوون، وان الاميركي ليس هذا المواطن الأشقر صاحب العينين الزرقاوين المتحدر من أوروبا فحسب، بل هو أي مواطن يحمل الجنسية الأميركية حتى لو حصل عليها لتوه مهما كان جنسه أو لونه أو عرقه.
أشد على يد نوال الهوساوي وأتمنى لها الموفقية، وكما يقول المثل ما ضاع حق وراءه مطالب. وأنا على يقين بأن القضاء السعودي سينصفها.