د. محمد علي السقاف
كاتب يمنى خريج جامعتَي «إكس إن بروفانس» و«باريس» في القانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية حاصل على دكتوراه الدولة في القانون عن منظمة «الأوابك» العربية من السوربون ماجستير في القانون العام ماجستير في العلوم السياسية من جامعتي باريس 1-2. له دراسات عدة في الدوريات الأجنبية والعربية والعلاقات العربية - الأوروبية، ومقالات نشرت في صحف عربية وأجنبية مثل «اللوموند» الفرنسية. شارك بأوراق عمل في مراكز أبحاث أميركية وأوروبية عدة حول اليمن والقضايا العربية. كاتب مقال في صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

الدور الريادي للسعودية والعرب في العالم الجديد

شهد شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام 2022 سلسلة أحداث هامة وسعيدة وضعت العالم العربي في صدارة الأخبار الدولية التي تم تداولها عالمياً. من مؤتمر شرم الشيخ «كوب 27» إلى مونديال كرة القدم في قطر، إلى خبر فوز فريق كرة القدم السعودي على فريق الأرجنتين ونجمه الدولي «ميسي» بهدفين مقابل هدف واحد، وذلك في المباراة الأولى لهما في المونديال. وتمكن الفريق التونسي بالتعادل وكسب نقطة أمام فريق الدنمارك. وتصدرت هذه الأخبار التي أثلجت صدور كثير من مواطني العالم العربي واستعادت ثقتهم بأنفسهم ورفع معنوياتهم في عز تداعيات أزمة كورونا وأزمة الغذاء وتدهور قيمة صرف بعض العملات الوطنية أمام العملات للدول الصناعية. وقد لا يبالغ المرء بالقول إن أخبار نتائج الانتخابات النصفية في الكونغرس وترقب ترشيحات الرئاسة الأميركية لعام 2024 تحظى بالاهتمام والمتابعة نفسيهما كما كانت قبل تلك الأحداث. ولا شك أن الأزمة الروسية الأوكرانية كانت في آنٍ واحد حدثاً هاماً شغلت معظم شعوب العالم وأثارت لديهم القلق من احتمال نزوع حرب عالمية ثالثة، إلا أن الأزمة ذاتها أظهرت، من خلال تبني الدول العربية النفطية موقفاً، ما يمكن تسميته بـ«الحياد الإيجابي» بين أطراف الأزمة الروسية الأوكرانية.
وما تبعها وارتبط بها من تداعيات أزمة الطاقة في أسعار النفط والغاز. وفي هذه تحديداً اكتشف العرب وتحديداً دول الخليج العربية النفطية امتلاكهم «قوة ردع مؤثرة» في ميزان العلاقات الدولية أعادت إلى ذاكرتهم أحداث أكتوبر (تشرين الأول) 1973 في كسبهم الحرب في مواجهة إسرائيل، واقتصادياً في إعادة صياغة علاقاتهم مع شركات النفط الدولية الكبرى على مستوى تحديد إنتاجهم من النفط وإعادة طريقة تسعيرهم لأسعاره التي كانت تحتكرها شركات النفط الكبرى برغم وجود منظمة الأوبك منذ عام 1960؟
كثير من الخبراء والمعلقين يشيرون إلى انضمام المملكة العربية السعودية إلى دول مجموعة العشرين في سبتمبر (أيلول) عام 1999 ويتناسون تواجدها المؤثر في إطار صندوق النقد الدولي الـ I. M .F.
وأتذكر في هذا الإطار قصة ظريفة حدثت معي شخصياً حيث كتبت مقالاً بالفرنسية أثناء مروري على باريس أطالب قبول المملكة العربية السعودية في صندوق النقد الدولي من منطلق أنها أكثر الدول التي تخصص مساعداتها للدول النامية من نسبة دخلها القومي حينها. وذهبت بالمقال إلى مسؤول صحيفة «اللوموند» المسؤول عن الصفحة الاقتصادية السيد «سيموني» (SIMONET) الذي وإن وافق على موضوع المقال إلا أنه تحفظ على نشره إلا إذا كان يمثل وجهة نظر سعودية في طلب انضمامها. أم هو اجتهاد شخصي من قبل كاتب المقال؟.
وفي نهاية الأمر نشرت الفكرة في العدد الأسبوعي لصحيفة «الرياض» بتاريخ 28 يناير (كانون الثاني) 1983 على أهمية انضمام المملكة العربية السعودية إلى مجموعة الدول العشر.
وتحقيقاً لذلك عمدت المملكة إلى زيادة مساهمتها في موارد مجموعة الدول العشر في الصندوق وبلغت (9.992.6 من حقوق السحب الخاصة) مما جعلها تبلغ المرتبة الـ12 على مستوى ترتيب حصتها من رأسمال الصندوق من بين عدد الدول الأعضاء. وكانت الدولة العربية الوحيدة في هذا الترتيب حينها. وفي المجلس التنفيذي للصندوق خصص مقعداً لها وللصين وروسيا إلى جانب البلدان الخمسة المساهمة الكبرى (الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة).
ولم يكن مستغرباً أن تنضم المملكة كما أشرنا سابقاً إلى «مجموعة العشرين» في سبتمبر من عام 1999 التكتل الذي يضم أكبر 20 اقتصاداً حول العالم، ويسيطر على 90 في المائة من الناتج العالمي. ويرتكز ثقل المملكة في المجموعة على عدة عوامل أهمها أنها تعتبر من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم وتمثل أكبر اقتصاديات العالم العربي، الذي وفق ما ذكرته هذه الصحيفة، بإجمالي ناتج محلي يقترب من 3 تريليونات (ريال سعودي)، وتحتل السعودية وفق المصدر ذاته الترتيب الخامس من حيث الأصول الاحتياطية الأجنبية للبنك المركزي السعودي، بقيمة 440 مليار دولار.
وسعت المملكة إلى تنويع مصادر مواردها المالية بعدم الاكتفاء بتطوير صناعاتها في قطاعي النفط والبتروكيماويات بل قامت أيضاً بضخ أموال هائلة في قطاعات عديدة منها التكنولوجيا والصناعة والزراعة من خلال تحقيق أهداف خطتها ضمن رؤيتها التنموية «رؤية 2030».
وتعززت فعالية الدور السعودي في المجموعة باستضافة البلاد خلال جائحة «كوفيد - 19» أحد اجتماعات «مجموعة العشرين» على مستوى القادة بالتقنية الافتراضية.
وفي قمة قادة دول مجموعة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية في منتصف نوفمبر الماضي ترأس وفد المملكة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، حيث أتاح هذا اللقاء الهام بوجود رؤساء وقادة أكبر 20 دولة في العالم إلى تجسيد الدور والمكانة المحورية للسعودية التي تتجاوز مكانتها كقوة إقليمية ولاعب مؤثر عملياً على المستوى العالمي.
انطلاقاً ومعرفة بذلك ترأس ولي العهد وفد بلاده في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهندي (أبيك) بالعاصمة التايلاندية بانكوك وشارك في الحوار غير الرسمي لقادة الدول الأعضاء في المنتدى. والتقى بعدد من زعماء العالم من ماكرون رئيس فرنسا ورئيسي إندونيسيا والفلبين وسلطان بروناي دار السلام ولي هسين لونغ رئيس وزراء سنغافورة.
واستكمالاً لجولاته الآسيوية زار أيضاً ولي عهد السعودية سيول العاصمة الكورية لاستعراض علاقات الصداقة بين البلدين.
ودولياً، تميز مؤتمر شرم الشيخ كوب 27 عن بقية مؤتمرات قمتي كوب 25 و26 بأنها لانعقادها في دولة عربية من دول العالم الثالث طرح موضوع مناقشة تمويل «الخسائر والأضرار» بمطالبة الدول الصناعية الكبرى بتقديم تمويل إلى الدول النامية لمواجهة أضرار التغيرات المناخية التي كانت الدول الصناعية سبباً رئيسياً فيها.