أصبحت إيران اليوم - شئنًا أم أبينًا - تمتلك أوراق ضغط سياسية وعسكرية موزعة في أنحاء مختلفة من المنطقة، وأصبحت تناور بقوة ببرنامجها النووي الذي بدأ بمساعدة أميركية أوروبية مطلع خمسينات القرن الماضي، وتواصل تطويره بمساعدة روسية، وهو الذي يمثل أحد أبرز عوامل التوتر الجديدة في المنطقة والعالم، منذ أن اتُهمت إيران مطلع الألفية الثالثة بتطوير وإنجاح بحوثها وتجاربها الرامية لإنتاج الأسلحة النووية، لكنها تمكنت بالتالي من إقناع العالم بضرورة التفاهم والحوار معها.
والشيء الطبيعي، هو أن يقلق العرب من برنامج إيران النووي ومن استمرار تطويره بما يمكنها من إنتاج وامتلاك أسلحة نووية، الأمر الذي سيشكل - بالتأكيد - تهديدًا فعليًا ليس فقط لدول الخليج، وإنما لكل دول منطقة الشرق الأوسط. لكن غير الطبيعي، هو القلق من التوصل إلى اتفاق دولي نهائي يستهدف إيقاف تطوير هذا البرنامج، ولعل قمة كامب ديفيد الأميركية - الخليجية المنعقدة منتصف الشهر الحالي قد جلبت كثيرًا من التطمينات للقادة الخليجيين، لكنها برأيي تظل تطمينات لغرض الإبقاء على الشراكة الأميركية مع دول الخليج وعلى الطريقة الأميركية، التي تعودت أن تبيع أوهامًا للآخرين لصالح البناء على استراتيجيات تخدم أهدافها ومصالحها على المستويين الداخلي والخارجي.
فتجميد البرنامج النووي الإيراني، يعني الشيء الكثير بالنسبة للرئيس أوباما على مستوى الداخل الأميركي، فهو يعتبر واحدًا من أبرز ثلاثة إنجازات خارجية تحققت لحزبه خلال رئاسته للولايات المتحدة، إلى جانب الإعلان عن تمكن قوات أميركية خاصة من التخلص من رأس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مايو (أيار) 2011م، الذي وصف الرئيس أوباما مقتله بـ«القصاص العادل» كونه المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001م، التي أدت إلى مقتل أكثر من ثلاثة آلاف أميركي، ثم سحب الجنود الأميركيين من العراق في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه.
وفي المقابل، فالاتفاق يبدو بالنسبة لإيران صفقة مربحة، كونه سيمنحها فرصة طالما حلمت بها، ستحقق من خلالها كثيرًا من المكاسب السياسية والاقتصادية، وهو ما ترجمته فرحة الشارع الرسمي الإيراني وتصريحات المسؤولين الإيرانيين عقب التوقيع على اتفاق لوزان السويسرية، حيث قال الرئيس روحاني بأن «إيران ستفتح صفحة جديدة مع العالم وستساهم في إنهاء النزاعات في المنطقة».
ومن هنا، فتوصل إيران في نهاية مارس (آذار) الماضي إلى توقيع اتفاق إطار دولي بشأن «الحد من أنشطتها النووية» على قاعدة تفاهمات جنيف (5+1)، سيعزز - بالتأكيد - من مركز قوتها، وستجني من ورائه كثيرًا من المكاسب السياسية والاقتصادية، التي سيكون في مقدمتها دخول إيران في شراكة فعلية مع الولايات المتحدة الأميركية، والتفاهم معها ليس فقط حول تعزيز أمن الملاحة الدولية في مضيق هرمز والخليج العربي، وحماية المصالح المشتركة في المنطقة، وإنما التفاهم أيضا حول الحفاظ على أمن إسرائيل، لأن إسرائيل في الأجندة الأميركية تعتبر أبرز أولويات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
فخلال السنوات العشر المفترضة لتجميد أنشطتها النووية، ستتمكن إيران تدريجيًا من تجاوز العقوبات المفروضة عليها منذ 30 عامًا، وستفتح لها أبواب التبادلات التجارية مع الغرب، وسيفرج عن الأموال المحتجزة في البنوك والمؤسسات المالية العالمية، الأمر الذي سيساعد إيران على تجاوز مشكلاتها السياسية والاجتماعية الداخلية، كما سيساعدها على انطلاق حركة التصنيع، وتحريك عجلة الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من ركود كبير منذ وقت مبكر، لكن السؤال الذي يتردد لدى السياسيين الخليجيين هو: هل ستوجه إيران هذه الأموال باتجاه تنمية الاقتصاد الإيراني وتسوية الأوضاع الداخلية للبلاد أم ستوجهها لتطوير برنامجها النووي، ولإثارة النزاعات الطائفية في المنطقة؟!
المخاوف أن الاتفاقية المنتظر التوقيع النهائي عليها في يونيو (حزيران) المقبل، ستمنح إيران فرصة التقاط الأنفاس، لتستأنف نشاطها وتعمل على تحقيق طموحاتها النووية، رغم أن الأصل في الاتفاق هو لجم البرنامج النووي الإيراني وإيقاف تقدمه، لكن إيران أصبحت ترغب فعلاً في تطوير برنامجها النووي، خاصة بعد أن ذاقت معه حلاوة التحدي واللعب مع الكبار.
القلق الكبير الذي تبديه دول الخليج العربي يبدو مبررًا، لكن إذا ما افترضنا أن إيران تمكنت فعلاً من إنتاج السلاح النووي، فهل يمكن أن تستخدمه ضد أحد من جيرانها أو أي من أعدائها المفترضين؟!
المنطق يقول إنه مهما بلغت عداوة إيران لدول الجوار وخلافاتها مع أنظمتها، فهي لن تستخدم سلاحها النووي؛ لسببين:
الأول: وهو خطر «التأثيرات الإشعاعية والحرارية لانفجار الأسلحة النووية، وحركة الغازات، والموجات الدائرية المتعاقبة التي تولدها وتبلغ مئات الكيلومترات في الساعة خارج منطقة الانفجار»، وهو الخطر الذي لن ينجو منه أحد - بحسب المختصين.
الثاني: لن تجرؤ إيران على استخدام السلاح النووي إذا ما تمكنت من إنتاجه، خاصة وهي محاطة بدولتين نوويتين (باكستان، والهند)، بدأت تجاربهما النووية منذ عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ومن الغرب إسرائيل التي تمتلك أكثر من 200 رأس نووي، مما يعني أن المصالح الاستراتيجية الإيرانية ستكون هي أيضًا متضررة من أي خطأ نووي قد يحدث في المنطقة.
وأيًا كانت المبررات أو الطموحات الإيرانية من تطوير تجاربها النووية، فالشيء الطبيعي هو أنها في ظل تخفيف الضغوط الغربية عليها، يمكن أن تدفع بسباق التسلح والعمل على تحقيق توازن القوة في المنطقة بموافقة غربية، وهو ما سيمكن دول الخليج، كالسعودية والإمارات، التي لديها طموحات نووية، وتمتلك المال أيضًا، من أن تعمد إلى إنتاج وتطوير برامج للطاقة النووية في فترة وجيزة، دون أن تثير قلقًا غربيًا تجاهها.
فإذا ما امتلكت دول الخليج برامج نووية بموازاة البرنامج النووي الإيراني، فلن تكون بحاجة إلى تعهدات بحماية أميركية من أي تهديدات خارجية، ولن تكون أيضًا بحاجة إلى تطمينات أميركية أو أوروبية، كما حدث مع الرئيس الأميركي في قمة كامب ديفيد، وإنما هي ستفرض رأيها، وتقول كلمتها حتى في وجه الحلفاء الذين ينكثون بوعودهم ويفرطون في حلفائهم، فحينما يجدون في الحليف مصدر قوتين خارقتين (قوة المال، وقوة السلاح)، سيكون الأمر مختلفًا.
7:20 دقيقة
TT
العرب.. والنووي الإيراني!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة