تبدو الحرب الشاملة التي شنّتها روسيا ضد أوكرانيا مفاجئة تماماً للقيادة الصينية، وحين تضع الحرب أوزارها، أياً كان الطرف الذي سيسود الساحة في أوروبا الشرقية، ستظل الصين الطرف الأكثر تضرراً في شرق آسيا.
كانت الصين من الأطراف الأكثر تفاجؤاً بالحرب الخاطفة التي شنّتها روسيا في 24 فبراير (شباط). لقد احتضن شي جينبينغ، الرئيس الصيني، بوتين خلال افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في بكين، وأعلن أن شراكتيهما «لا حدود لها»، وأنهما يقفان جنباً إلى جنب في مواجهة توسع حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، وعدوان لـ«أوكوس» (اتفاقية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية) في منطقة المحيط الهندي - الهادئ. كذلك بارك القائدان في البيان المشترك ظهور نظام دولي جديد تتم فيه إعادة النظر في أفكار الديمقراطية والتنمية والأمن بحسب تأويل القوى العظمى الجديدة.
لو كانت القيادة الصينية قد تنبأت بتبدل موقف بوتين بعد ختام دورة الألعاب الأولمبية ببكين، لما كانت وافقت على مثل هذا البيان، حيث وضعت حرب أوكرانيا العالم بأسره في حالة اضطراب شديدة في غضون أيام. لقد حققت روسيا بهذا الاجتياح ما لم يستطع أحد تحقيقه منذ مدة طويلة، وهو توحيد العالم الغربي، فعلى شفا الاجتياح من جانب روسيا بقيادة بوتين، استعاد الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، ودول عدم الانحياز الأوروبية الأخرى، إدراكهم للأرضية المشتركة التي تجمع بينهم، وأصبحوا فجأة متحدين. وفجأة غيّرت ألمانيا، التي تعد أكبر اقتصاد في أوروبا والأكثر تساهلاً مع الصين وكذا مع روسيا، مسارها وتتجه حالياً نحو تسلح كبير.
كان مسار الأحداث ذلك هو الأسوأ والمستبعد بدرجة كبيرة بالنسبة للصين، حيث تمكنت الصين من الصعود في الشؤون العالمية بفضل انقسام أوروبا والعلاقات المتباعدة المتجافية عبر الأطلسي. ويعد الانقسام الأوروبي شرطاً لتحقق «الحلم الصيني» العظيم خلال فترة الحكم الثالثة غير المسبوقة لـشي، والتي من المتوقع أن يتم إقرارها خلال مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني المقرر عقده في الخريف المقبل. ربما تبدو روسيا بالنسبة إلى القادة الصينيين مجرد داعمة لصعود البلاد، وراضية بدور الشريك البارز في النظام العالمي الجديد الآخذ في التشكل لقرن الصين. في الواقع لا يتعلق طموح بوتين بأي من هذا. يتحدى بوتين النظام القائم لعالم ما بعد الحرب الباردة، وقد أحدث فعل التحدي تغيراً في الوضع في أوروبا بشكل جذري كبير؛ مما يهزّ بقوة أساس صعود الصين.
حسابات الصين وإدراكها غير السليم لما يتعلق بالنوايا الروسية والسلوك الروسي تشير إلى إخفاق محتمل في الاستخبارات، بحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن الجهود الأميركية في التودد إلى الصين لتقديم المساعدة في تفادي الحرب. حتى عندما شاركت الولايات المتحدة الأميركية مع الصين معلومات استخباراتية سرية بشأن تجمع قوات روسية بشكل كبير على الحدود الأوكرانية، تجاهلت السلطات الصينية الأميركيين، وأكّدت ما تسمى الصداقة «غير المحدودة» مع روسيا، لكن تبين أن أحلامهما كانت متباعدة كثيراً.
عندما اندلع الاجتياح الروسي على أوكرانيا، توجهت كل الأنظار في شرق آسيا إلى الصين متوقعة أن تقع الكارثة نفسها على أي منهم عندما تنجز روسيا مهمتها من دون أذى ولا عقاب. أثار ذلك وعياً قوياً وشعوراً بالحاجة الملّحة إلى بناء القدرات الدفاعية في دول مثل اليابان وتايوان، وسرعان ما بدأ شعور بالوحدة يختمر بينهم في مواجهة خطر واضح حالي مما يعيد التأكيد على الحاجة إلى التحالف المشترك مع الولايات المتحدة الأميركية. كان للاجتياح آثارٌ بالفعل على شرق آسيا البعيدة؛ فقد حقق ما لا يستطيع أي شخص تحقيقه، وما كانت الصين لتتفاداه.
لقد مثّل إخفاق الصين في منع روسيا عشية الاجتياح في نظر شعوب دول الجوار دليلاً على التواطؤ، رغم أن الصين تجاهلت الأمر فقط على الأرجح ليحدث. أياً كان الطرف المنضم إلى روسيا، حتى تتمكن الصين من الصمود بعد الحرب كجزء من المعسكر المنتصر، على روسيا تحقيق هدف واضح، وهو السيطرة على العاصمة كييف في غضون أيام قليلة، وتنفيذ حملة ضرب أعناق لتحييد الشخصيات القيادية البارزة في حكومة زيلينسكي التي هلَّل لها الشعب الأوكراني، وإجبار الدول الغربية على الصمت. لم تحدث كل تلك الأمور ولن تحدث.
أياً كان النحو الذي ستسير عليه الحرب، سيكون هناك دمار محض ومجزرة، وربما حتى حرب عالمية ثالثة أو حرب نووية. في حال انهيار محاولة روسيا، سوف تواجه الولايات المتحدة الأميركية الصين وتنافسها مدعمة من أوروبا الموحدة على نحو غير مسبوق واليابان. لم يكن هذا الذي تصور الرئيس شـي حدوثه خلال العام الذي شهد تنصيبه لنفسه في سدّة الحكم.
سوف تمثل تلك الوحدة غير المسبوقة بين الدول الأوروبية وحلفائها، وصرامة العقوبات المنسقة ضد روسيا، وردود الفعل غير المتوقعة من جانب بوتين، الذي من المستحيل أن تتكيف معها الصين، عبئاً ثقيلاً، وتفرض خطراً لا يمكن تجاهله أو إهماله لا فرصة بالنسبة إلى الصين.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»