مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

طعنة في الظهر

قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في بيان، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتخذ القرار النادر بسبب «الخطورة الاستثنائية» للأمر، ووصف الوزير نفسه الاتفاقية الثلاثية بين أميركا وبريطانيا وأستراليا بأنها «طعنة حقيقية في الظهر»، وفرنسا تنتظر توضيحات بشأن صفقة الجامعة الأميركية في كوسوفو، وفي وقت لاحق استدعت فرنسا السفير الفرنسي في واشنطن، في أحدث تصعيد في هذا الخلاف عبر الأطلنطي.
والسبب تراجع قرار الحكومة الأسترالية عن عقد غواصات مع شركة تصنيع فرنسية بأنه خيانة للثقة، وتعاون جديد مع أميركا لتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية وبسعر أقل، عوضاً عن الغواصات الفرنسية التي تعمل بالديزل بعقد قيمته 56 مليار يورو يعادل 90 مليار دولار أسترالي للغواصات التي تعمل بالديزل مع شركة تصنيع الغواصات الفرنسية.
ودعوة فرنسا لسفرائها من واشنطن وأستراليا رداً على الأحداث وتعبيراً عن احتجاج وأزمة دبلوماسية، بعد إلغاء صفقة الغواصات، أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، إطلاق شراكة استراتيجية مع المملكة المتحدة وأستراليا، تتضمن تزويد كانبيرا بالغواصات الأميركية، ما أخرج عملياً الفرنسيين من الصفقة، لا شك أن ما حدث من الولايات المتحدة انكشاف أمام المصالح والتأثير في الخيارات السياسية، في كلتا الحالتين فإن الأصداء والتداعيات ما زالت تحمل استفهامات كبيرة.
وضمن هذا السياق، يمكن أن نتساءل ما إذا كانت أميركا وبريطانيا قد قامتا بهذه اللعبة لهز ثقة الحلفاء ببعضهم البعض، وعملتا شرخاً في هذه العلاقة أو التحالف أدى لسحب فرنسا سفيريها للتشاور من أميركا وأستراليا، وهذه تعد سابقة خطيرة، مما جعل فرنسا تصف أميركا وأستراليا بالكذب، وبريطانيا بالانتهازية، فجميع التحولات الكبرى في تاريخ البشرية أصبحت رهناً لعصر النوويات، وتذبذب العلاقات مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، وقد تكون بداية توتر تعيد الأحداث صياغته من جديد.
فالاقتصاد العالمي يسعى في الوقت الحاضر إلى تجاوزات تبعاً للمصالح والعهود المبرمة، فقد تفاعلت تلك الرؤى فأنتجت نخباً متقاربة ومتشابهة أثمرت عن تكتلات، من هنا سيكون لهذا التكتل بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويُنظر إليه على نطاق واسع بأنه لمواجهة النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي، والتحرك بموجب السيطرة على التوترات بالمنطقة.
وبالمقابل انتقدت الصين الاتفاقية الأمنية التاريخية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، ووصفتها بأنها «غير مسؤولة» و«ضيقة الأفق»، السؤال هنا كيف يكون منظور العالم لهذه التكتلات، وكيف يمكن أن يكون للرأي العام تأثير على السياسة والخطط التمهيدية لمرحلة قادمة في ظل هذه التحديات؟
هناك دروس مهمة في كل ذلك يمكن أن نستفيد منها اليوم، وهي أن تحقيق المآرب دافع لاختلاق المبررات، مثلما حصل مع فرنسا، وهي الدولة التي تعد ركيزة الاتحاد الأوروبي وقوة عظمى، وعضواً دائماً بمجلس الأمن وقوة عسكرية لا يستهان بها، بمعنى دولة مهمة ولها ثقل كبير دولياً وستدعمها أوروبا في كل المواقف.
لقد أظهرت هذه القوى منذ عقود أنها لا تتورط أبداً في أحابيل السياسة، وأنها الأمة الأفضل على الاستمرار، وذلك ما تم تصويره للعالم، ومن الخطأ أن ينظر المرء إلى ذلك أنه عارض يمضي في تقييمه، فالأغلبية المتحكمة في اتجاهات عديدة مندمجة في اللعبة، فهذا التحالف الجديد يستهدف الصين، وأميركا ترى أن مواجهتها باتت تقتصر عليها وعلى حلفائها في منطقة المحيط الهادي والهندي، وأن أوروبا خارج هذه المواجهة.