جوناثان برنستين
TT

السياسة مكان موحش للأعمال التجارية الأميركية

إن الفوضى التي يعيشها الجمهوريون والعداء الديمقراطي هي من الأسباب التي تزيد من صعوبة اختيار المسؤولين التنفيذيين لأطراف من دون أخرى.
لا أريد أن أكون منظراً إستراتيجياً وسياسياً للمال والأعمال في الولايات المتحدة الآن.
يتمثل الموقف الطبيعي للأعمال التجارية في السياسة الأميركية في أن تكون مجموعة من المصالح المستقلة، غير منحازة إلى أي من الحزبين. وهذا من شأنه أن يسمح لأصحاب المصالح التجارية بممارسة الضغوط على أي حزب يترأس السلطة. ومن الناحية النظرية، فهي إستراتيجية قابلة للتطبيق. وفي نهاية المطاف، هناك القليل من السياسيين يتقبلون الخطابات المناهضة للأعمال التجارية - وحتى أولئك الذين ينتقدون الأعمال التجارية علناً يدركون مدى أهمية أرباب العمل في دوائرهم الانتخابية، حتى لو لم يعجبهم الطريقة التي يعامل بها أرباب العمل مرؤوسيهم.
ولكن في عصر الاستقطاب الحزبي القوي، فإن هذا موقف يصعب الحفاظ عليه. ما لم تختَر الشركات الأطراف التي تنحاز إليها، فإنها على وشك فقدان نفوذها.
كانت مباشرة الأعمال التجارية أكثر راحة في القرن الماضي على الجانب الجمهوري بصفة عامة. غير أن الجمهوريين اليوم هم في فوضى عارمة. ليس فقط لأنهم يستخدمون الخطاب المعادي للأعمال التجارية بشكل متزايد، ولكن... هل ألقيتم نظرة على الجمهوريين وأحوالهم اليوم؟
تميل الأعمال التجارية إلى عدم الارتياح إزاء جدول أعمال الحزب الجمهورى المناهض للديمقراطية - فالعديد من لجان العمل السياسى للشركات قطعت التبرعات لأعضاء الكونغرس الذين صوتوا ضد قبول نتائج انتخابات الرئاسة يوم السادس من يناير (كانون الثاني) على الرغم من أن الكثيرين استأنفوا هذا التمويل. وحتى عندما لا يحاول الجمهوريون قلب نتائج الانتخابات والمجازفة بكل أنواع الفوضى، فإن معارضتهم لإبرام الصفقات والتسويات البراغماتية لا توفر المناخ الملائم للأعمال.
ومن المفترض أن قادة الأعمال أكثر إنزعاجا من السياسات الجمهورية التي تبدو للبعض مدمرة بلا سبب بعينه على الإطلاق. كانت الاستجابة الرسمية للوباء سيئة، ولكن ربما يمكن اعتبارها ببساطة نتيجة لوجود الإدارة السابقة. لكن الآن، يشكل الغضب الجمهوري (بما في ذلك في وسائل الإعلام الموالية للجمهوريين) ضد اللقاح تهديداً كبيراً للاقتصاد، ولا يمكن إلقاء اللوم فيه على الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يدعم اللقاحات بشكل أو بآخر.
قيادة ترمب السياسية المتقلبة في مجال التجارة والهجرة وغير ذلك، دفعت أحياناً بالأعمال التجارية بعيداً عن الحزب الجمهوري. وأصبح هذا أكثر صحة ووضوحاً الآن. ومع كون ترمب زعيماً لهم، فإن العديد من الجمهوريين لا يترددون في استخدام سلطات الحكومة في معاقبة من يشعرون بأنهم خانوهم.
لكن الأمر لا يبدو وكأن الانتقال إلى الحزب الديمقراطي خيار جذاب للكثير من رجال الأعمال. وفي حين أصبح الجمهوريون غير متماسكين على نحو متزايد فيما يتصل بالسياسة، فقد تحرك الديمقراطيون على المسار الليبرالي، تماماً كما ظهر بوضوح من مبادرة الرئيس جوزيف بايدن الأسبوع الماضي لزيادة المنافسة، وتعزيز قدرة الموظفين على المساومة، والتي اجتذبت معارضة قوية من جانب رجال الأعمال.
وسواء تعلق الأمر بالضرائب أو بأي عدد من القضايا التنظيمية الأخرى، فإن التيار الرئيسي للحزب الديمقراطي يقف في الجانب الخطأ من العديد من السياسات من وجهة نظر الأعمال التجارية. صحيح أن المصالح التجارية يمكنها التغاضى عن العديد من هذه القضايا واختيار قبول حجج خبراء الاقتصاد الليبراليين التي تزعم بأن العديد من السياسات الضريبية وغير التنظيمية التي تبدو ودية قد أسفرت عن عصر من النمو الاقتصادي المتواضع. وهناك في واقع الأمر عدد لا بأس به من السياسات الديمقراطية التي يستطيع قطاع الأعمال أن يدعمها نظرياً من منطلق المصلحة الذاتية المستنيرة. ولكن أياً كانت مزايا هذه الفكرة، فإنه من غير المرجح لها الاستمرار، لا سيما بالنظر إلى العداء من جانب الحزب الديمقراطي بقيادة السيناتور بيرني ساندرز والأعضاء الأكثر تشدداً في مجلس النواب.
وبطبيعة الحال، لا نستطيع أن نعتبر الأعمال التجارية نشاطاً أحادياً. وحتى خلال الفترة التي كانت فيها غرفة التجارة الأميركية، وغيرها من مجموعات الأعمال الكبيرة، متحالفة بقوة مع الحزب الجمهوري، كانت هناك الكثير من مصالح الشركات التي دعمت كلا الحزبين، والكثير من الشركات المحلية ومجموعات الأعمال المنظمة التي عملت بشكل جيد مع السياسيين الديمقراطيين في مناطقهم. ولكن على المستوى الوطني، وحتى على المستوى المحلي في العديد من الحالات، يصبح من الصعب للغاية القيام بذلك من دون مواجهة ردود الفعل العنيفة.
أستطيع أن أفكر في الكثير من المآسي في السياسة الأميركية أكثر من الصداع الذي يصيب خبراء السياسات الإستراتيجية في المجلس، أو تضاؤل النفوذ على المصالح التجارية بشكل عام. غير أن المشكلة الحقيقية ليست في المصالح التجارية فحسب، وإنما في انهيار قدرة الجمهوريين على صناعة السياسات والوظائف ضمن الإطار الديمقراطي. جنباً إلى جنب مع الاستقطاب الحزبي الذي يدفع كلا الحزبين بعيداً عن أجندات السياسة التعددية، فإن هذه تعد من الأنباء السيئة للجميع.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»