كلارا فيريرا ماركيز
TT

روسيا: نمو متفجر في عدد الإصابات

قد تكون الموجة الثالثة للفيروس في روسيا مكلفة للغاية، وهي بمثابة تحذير لحكومات أخرى تأمل في تجاهل التردد في الحصول على اللقاح، أو عدم الثقة في السلطات المحلية.
قبل وصول الآلاف إلى سانت بطرسبرغ لحضور المنتدى الاقتصادي السنوي لروسيا خلال هذا الشهر، تباهى الحاكم المحلي أمام مستمعي الإذاعة بأنه لم يسبق لأحد أن عقد حدثاً مماثلاً على نطاق كبير منذ تفشي الوباء. وبعد بضعة أيام، صرح الرئيس فلاديمير بوتين للحاضرين بأن بلاده في وضع أفضل من غيرها، من حيث معدلات الإصابة بالفيروس، وسوف تفتح أبوابها سريعاً من أجل تطعيم السياح الوافدين على البلاد.
ولقد تبين أن حالة الانتصار المعلنة سابقة لأوانها، إذ شهدت روسيا ارتفاعاً كبيراً في حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد خلال الأسبوعين الماضيين، حيث بلغت حالات الإصابة أعلى مستوياتها منذ أشهر، مع التهديدات المحتملة من التحورات الجديدة المزعجة. وأعلن عمدة موسكو، سيرغي سوبيانين، عن العطلة المطولة للإقلال مما سماه النمو «المتفجر» في أعداد الإصابة بالعدوى، ثم انطلق يوم الأربعاء الماضي إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما أمر قطاع الخدمات في المدينة وموظفي البلدية بضرورة التطعيم. وكان الكرملين قد أعلن منذ شهور عن عدم وجود خطط لفرض التطعيم الجبري على المواطنين.
لا تكمن المشكلة في اللقاحات الموجودة في البلاد، المتوفرة منذ أواخر العام الماضي، إذ تشير البيانات المتداولة إلى أنها لقاحات فعالة أيضاً، بل تكمن في الوتيرة البطيئة للغاية لعمليات التطعيم التي يقوضها مزيج سام من الرضا عن النفس، وعدم الثقة المزمن في السلطات، حتى أن اللقاح الروسي الرئيسي «سبوتنيك في» الذي استخدمته موسكو في تعزيز مكانتها في الخارج قد قوبل بمزيد من التشكك في الداخل، وأصبح من مواطن الحرج للكرملين، وتذكيراً علنياً غير مرغوب فيه بحدود سلطاته في البلاد.
لقد تضررت روسيا بشدة جراء الوباء، وقامت بتعديل إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد في البلاد لعام 2020 بنسبة 40 في المائة تقريباً في وقت سابق من الشهر الحالي، وارتفعت حالات الإصابة الجديدة التي ظلت عند مستوى أكثر من 7 آلاف حالة يومياً منذ أواخر سبتمبر (أيلول) إلى نحو 13.400 حالة يوم الأربعاء الماضي. وتستحوذ العاصمة موسكو والمنطقة المحيطة بها على أكثر من نصف إجمالي تلك الحالات.
ومع ذلك، لم يتم تطعيم سوى 10 في المائة فقط من المواطنين الروس بالكامل. وفي موسكو، وهي المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 12 مليون نسمة، قال سوبيانين إن عدد الذين تم تطعيمهم يتجاوز 1.8 مليون شخص. وعلى النقيض من ذلك، نجحت مدينة بكين في تطعيم أكثر من 80 في المائة من المواطنين البالغين هناك.
صحيح أن حالات العدوى السابقة توفر درجة من درجات الحماية، لذلك قد لا تكون هذه الموجة الثالثة سيئة للغاية، لكن الحكومة الروسية سوف تضطر إلى كسر حالة التردد في الحصول اللقاح حتى تتجنب التخلف عن مواكبة إعادة الانفتاح على الغرب وعلى الصين، من حيث سرعة توزيع جرعات اللقاحات هناك. وأشار استطلاع للرأي نشر الشهر الماضي إلى أن 62 في المائة من المستجيبين غير مستعدين للتطعيم الآن، في حين أظهر استطلاع منفصل أن نسبة 55 في المائة من المستجيبين لا يخشون الإصابة بالفيروس أصلاً. ومن دون التطعيم الواسع النطاق، سوف تمتد آثار فيروس كورونا لفترة طويلة، وسوف تبدو دبلوماسية اللقاحات الروسية في موسكو جوفاء بصورة مؤلمة.
وتعد الزيادة المسجلة راهناً في روسيا، في يونيو (حزيران) الحالي، بمثابة تحذير لغيرها من البلدان المتقاعسة الأكثر ثراء، بما في ذلك هونغ كونغ، حيث تسود حالة مرتفعة من انعدام الثقة بالسلطات الحكومية، أو في اليابان البطيئة للغاية في توزيع اللقاحات. ولكنها مشكلة أكثر تعقيداً بالنسبة للرئيس بوتين، لا سيما قبل الانتخابات البرلمانية في سبتمبر (أيلول) المقبل. وفي واقع الأمر، فإن السرد المتفائل الذي لا يخفى على أحد طيلة الشهور الماضية يجعل من الصعب إقناع الناس بالحصول على جرعات اللقاح الآن، من دون حدوث أي تحول حقيقي في الأوضاع الراهنة.
إنه هدف مهم مؤلم للغاية للبلاد. وكانت روسيا قد سارعت لأن تصبح أول دولة توافق على توزيع جرعات اللقاح المضاد للفيروس، لكنها تراجعت عن البيانات التي جرى استعراضها من قبل النظراء. وفي حين أنها تحركت بوتيرة سريعة للبدء في حملة التطعيم الجماعي، فإن الرئيس بوتين لم يضطلع بدوره القيادي في ذلك. وعندما حصل على جرعته الخاصة من اللقاح أخيراً، تخير أن يفعل ذلك خلف الأبواب المغلقة، في بادرة خجولة غير معهودة منه، وقال إنه لن يتحول إلى مهرج يؤدي دوراً أمام الناس.
ولم تكن اللقاحات من الأولويات ذات الإلحاح الكبير بالدرجة الكافية. والآن، سوف يتعين على المسؤولين أن يتحملوا التوجهات المحلية البديلة، تماماً كما حدث في العاصمة موسكو المتضررة للغاية، حيث اتخذ السيد سوبيانين موقفاً أكثر تشدداً طيلة فترة انتشار الوباء.
وفي نهاية المطاف، يستطيع الكرملين إسكات المعارضين السياسيين، غير أنه لا يستطيع إخماد السخط الشعبي، أو إصلاح حالة انعدام الثقة التي تمنع الناس من الذهاب إلى مراكز التطعيم بسرعة. وسوف يكون لذلك عواقب اقتصادية وسياسية على البلاد التي كانت من أفضل البلدان أداء خلال انتشار الوباء، إلا أنها تواجه ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية، مع انكماش في الدخول الحقيقية القابلة للتصرف.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»