عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

«الشعوبيون الجدد» والتحالف ضد العرب

«الشعوبية» مصطلحٌ يعرّف بحركة أو تيارٍ بدأ في نهاية العصر الأموي، وازدهر وانتشر وأثبت وجوده في بداية العصر العباسي، ثم دخل في تجاذبات وانتقالات عبر التاريخ، ولا يزال حاضراً بقوة في المشهد المعاصر، ومنذ البداية كان تياراً فارسياً التحق به بعض الشعوب الأخرى من غير العرب، ولكن التأثير الأكبر له حتى اليوم هو للفارسية.
اختصاراً، يلخص القرطبي في تفسيره الشعوبية بقوله: «الشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم»، والزمخشري يقول: «وهم الذين يصغرون شأن العرب». فالفكرة الشعوبية، وإنْ انطلقت من فكرة «التسوية» أو «المساواة» بين الشعوب غير العربية التي دخلت الإسلام والعرب الذين انتصر دينهم وثقافتهم ودولتهم في العصر الأموي، فإنَّ الفكرة لا تقف عند هذا الحد، بل هي «تبغض» و«تحتقر» و«تصغّر» العرب.
«حزب الله» اللبناني و«حركة حماس» الإخوانية و«ميليشيا الحوثي» اليمنية هي نماذج لحركات «شعوبية» تكره العرب وتمجّد الفرس، وتخدم المشروع الفارسي في المنطقة، وجماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات الإسلام السياسي جميعاً تخدم المشروعين الكبيرين المعاديين للعرب في المنطقة؛ المشروع الفارسي والمشروع التركي، وتسويق ذلك يتم باسم الطائفة أو الدين أو الشعارات المتعددة.
«صعود القوميات» و«الإسلام السياسي» و«توحش الأقليات» عناصر ساعدت في إحياء «الشعوبية» ومعاداة العرب، وبطبيعة الحال فكل ذلك جاء عبر تراكمات تاريخية وثقافية واجتماعية ودينية وسياسية دفعت بهذه جميعاً إلى مشروعٍ متكاملٍ في معاداة العرب دولاً وشعوباً، لغة وحضارة، وباكتمال مشروعها السياسي في العقود الأخيرة وجدت لها نصيراً غربياً حديثاً في تيار «اليسار» العالمي، ورحّب رموز اليسار بالخميني وثورته، ونصيراً معاصراً في تيار «اليسار الليبرالي» في أميركا وأوروبا، وتكفي قراءة تصريحات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عن «الفرس» و«العرب»؛ فبِن رودس أحد أهم مستشاريه يقول عنه: «أوباما يكره العرب بشكل غريب، ويعشق إيران حد العمى»، والأهم من عواطف أوباما قراراته الاستراتيجية في الانحياز للمشروع الإيراني (الاتفاق النووي)، والإضرار بالدول العربية (الربيع العربي)، لاكتشاف هذا البعد بسهولة ويسرٍ.
الفريق الذي يفاوض النظام الإيراني في فيينا هو فريقٌ يصدر عن رؤية أوباما، وهو جزء من صناعتها وتنفيذها سابقاً، ويسعى لإعادة إحيائها مجدداً، ومن هنا لا يُستغرب الإصرار على رفض دخول الدول العربية، ودول الخليج العربي تحديداً، في تلك المفاوضات.
العرب في الأدب الفارسي «محتقرون» ويتمّ تحميلهم «وزر» سقوط وانهيار الإمبراطورية الفارسية، وقد تمّ تعزيز ذلك في العصور الإيرانية الحديثة من «العهد الصفوي» ثم «العهد القاجاري» و«العهد البهلوي»، وصولاً إلى «العهد الخميني» المعاصر، وهذا الاستعراض السريع يكتنز أبعاداً دينية ومذهبية وثقافية وعرقية، ولا يقتصر على السياسة فحسب، وإن كانت محصلة لذلك كله.
«العثمانيون» الأتراك لديهم تراثٌ طويلٌ من هذا القبيل، وسياساتهم ضد العرب كأمة وقومية وشعوبٍ تسوّد صفحات طويلة من تاريخهم القديم والحديث والمعاصر، وأبعاد العرق والهوية واللغة يستحضرها «الشعوبيون الجدد» في صراعاتهم مع العرب.
«توحش الأقليات» هو تعبيرٌ عن هذا الاصطفاف «الشعوبي» ضد العرب دولاً وشعوباً؛ فبعض الشيعة في العالم العربي في العراق واليمن «الحوثي» ولبنان، وبعض «العلويين» في سوريا «أتباع الأسد»، وبعض المسيحيين في بلاد الشام، «التيار العوني» مثلاً، هم جميعاً عناصر في تيار «الشعوبيين الجدد»، وهذا السياق يسلط الضوء على عمقٍ تاريخي وثقافي لطبيعة التحالف الدولي المعاصر والمعادي للعرب من «اليسار الليبرالي» إلى «الإسلام السياسي».
«الشعوبيون الجدد يكرهون العرب مثل أسلافهم، ولكنهم يدعون الإسلام، وإن بنسخة شيعية ذات طابع «إسلامٍ سياسيٍ»، ويتناسون أن الإسلام كدينٍ إنما جاء به العرب؛ فرسوله الكريم عربيٌ، وكتابه المقدّس «القرآن» نزل بلسان عربي مبينٍ، وناشِروه في أصقاع الدنيا عربٌ، و«الفرس» و«الترك» إنما دخلوا الإسلام عن طريق العرب.
«صعود القوميات» يتحدث عن مرحلة من التاريخ الحديث حين أصبحت «القوميات» مركزاً للصراع الدولي في أوروبا، إبان الحرب العالمية الأولى، وقد تأثرت به شعوب كثيرة حول العالم بحيث أحيا أو عزَّز لديها الشعور القومي، وتأثر «الفرس» و«الترك» و«العرب» بتلك المرحلة، وقد تبعتها مرحلة «الإسلام السياسي»، الذي أصبح «حصان طروادة» الذي استغله «الشعوبيون الجدد» لتحويل بعض العرب لمعاداة العرب باسم «الإسلام» و«الطائفية» و«استعادة الخلافة» و«الحاكمية».
«الإسلام السياسي» جاء به «هنديّ»، هو أبو الأعلى المودودي، على قولٍ من الأقوال، وأثر في خلقه والتمهيد له «أفغاني - إيراني» هو جمال الدين الأفغاني الذي خرج من مدرسته «شعوبيون إيرانيون»، وفي هذا السياق حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
نصوص «الشاهنامة» للفردوسي هي الكتاب الفارسي الذي اكتنز «الشعوبية»، ويتبناه النظام الإيراني، يحوي نصوصاً صريحة في احتقار العرب، فهو يقول: «من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغاً أن يطمحوا في تاج الملك، فتباً لك أيها الزمان وسحقاً»، ويضيف: «الكلب في أصفهان يشرب ماء الثلج، والعربي يأكل الجراد في الصحراء»، ومن هنا يأتي وصف وزير الخارجية اللبناني السابق شربل وهبة للعرب بـ«البدو».
في كتاب «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث» جاء ما نصه: «لقد صور علي أخونزاده وميرزا آغا خان كرماني وكثير من معاصريهما إيران ساسانية وأخمينية دمر حضارتها المزدهرة (البداة المتوحشون). لقد رأى كرماني في الإسلام ديناً غريباً فرضته على (الأمة الآرية النبيلة) أمة (سامية) (حفنة من آكلي السحالي، الحفاة العراة، بدو يقطنون الصحراء. إنهم العرب المتوحشون) ما جلب دمار الحضارة الإيرانية»، وكرماني هو أحد أتباع وتلاميذ جمال الدين الأفغاني.
البحث العميق والتناول العلمي والموضوعي لمسائل ذات حساسية، مثل الطائفية والمذهبية والعرقية والقومية، لا يعني الانسياق خلفها، بل يعني فهمها بدقة ورصد تأثيراتها المعاصرة سياسياً وثقافياً واجتماعياً؛ ما يمنح رؤية أوسع لما يجري، وبالتالي توصيفاً أكثر تحديداً يساعد على الفهم أولاً وطريقة التعامل ثانياً.
أخيراً، فـ«الشعوبيون الجدد» و«التحالف الدولي» بين تياراتهم وحركاتهم وسياساتهم يسعون لضرب إسفينٍ بين الدول العربية القائدة والرائدة، التي أفشلت مشاريعهم، وتصدَّت لها بقوة وحزمٍ، وكل ما يُنشر لضرب العلاقات بين «مصر» و«السعودية» و«الإمارات»، وتساهم فيه دولٌ عربية صغيرة وتنظيمات دولية، هو بهدف إضعاف العرب دولاً وشعوباً، تحت شعاراتٍ متباينة وأهدافٍ موحدة.