سوف يلتقي الجمهور العربي مع أول أيام عيد الفطر على مائدة مسرحية «مدرسة المشاغبين»، التي صارت طقساً مرتبطاً ببهجة هذا اليوم، مثل الحلوى وملابس العيد الجديدة.
هذه المرة سنرى المسرحية ملونة على قناة (إم بي سي). منذ إعلان الخبر، وهناك ترقب ما، وتخوف ما.
هل تقديم عمل ملون رقمياً من تراثنا الفني القديم يعني اعتداءً على التاريخ، أم حفظاً له؟ هل تم مسح الفيلم أو الأغنية القديمة المصورة بتقنية (الأبيض والأسود) أم إنها لا تزال محفوظة في الأرشيف، ومن يريد أن يستمتع بالماضي، فسيجده بعد لحظات بين أصابعه.
شاهدنا مؤخراً أكثر من حفل عُرضت فيه أغنيات لكوكب الشرق أم كلثوم بتقنية (الهولوغرام) في «قصر عابدين» بالقاهرة، وقبلها في مدينة (العُلا) بالمملكة العربية السعودية، وهي تقنية أكثر حداثة، كأنها تستعيد أم كلثوم مجسدة على خشبة المسرح، بينما تستمع إلى صوتها وهي تغني (لسه فاكر) و(أنت عمري) و(سيرة الحب).
لم يؤثر ذلك بالسلب على جمهور (الست)؛ على العكس، أضاف جمهوراً آخر (جيناته) تفاعلت أكثر مع التقنيات العصرية! كما أن قطاعاً من جيل الكبار، لا ننكر أيضاً أن لديهم شغفاً لرؤية أم كلثوم في أحدث إطلالة عصرية.
العلم لن يتوقف عن منحنا كل يوم الجديد والمختلف؛ تنتشر على (اليوتيوب) أفلام من الأربعينات والخمسينات تم تلوينها رقمياً، بعد أن صارت هذه التقنية متوفرة وبالمجان، فما المشكلة إذن؟
قرأت أن جمعية (أبناء الفنانين) في مصر، أعلنت رفضها الفكرة، ولا أدري كيف وبأي حق، ثم؛ وهذا هو الأهم... هل ابن الفنان يمثل بالضرورة الفنان؟ تخيل مثلاً أن ابن أحد الفنانين، قال إن الفن حرام، وطالب بحرق أعمال والده أو منعها من التداول، فهل نستجيب له؟
لم يتبق من صناع (مدرسة المشاغبين) سوى عدد قليل جداً من المبدعين، أمثال عادل إمام وسهير البابلي، متعهما الله بالصحة والعافية، ولم يصدر عن أي منهما رأي ضد تجربة التلوين، فمن يملك إذن حق الرفض؟
الدنيا تتسع لكل الأفكار والأنماط والتجارب، الأمزجة متعددة، ما هو مستهجن فقط هو العبث بالتاريخ، بينما التلوين يعني إضافة نسخة أخرى للزمن القادم، قادرة على الحياة.
عدد من أغنيات أم كلثوم القديمة، التي سُجلت للتلفزيون المصري في بداية إرساله مطلع الستينات، لم نستطع إنقاذها؛ لأن المسؤول وقتها لم يدرك أن للشريط عمراً افتراضياً بعدها يتحلل، وهكذا فقدنا على الأقل نصف ثروتنا (الكلثومية).
التقنية الحديثة هي الجناح الثاني للإبداع، وهكذا يتم في العالم أجمع تلوين مئات من الأفلام والمسرحيات والأغاني القديمة، ورغم ذلك، فإنه لن تمحى أبداً من الذاكرة (الأبيض والأسود)، سيظل الأرشيف محتفظاً بها، كما أن بعض الأعمال الدرامية يلجأ صُناعها إلى استخدام تقنية التصوير بالأبيض والأسود، لأنها تستعيد سحر الزمن القديم، إلا إنها تظل الاستثناء، الذي يؤكد أن تلوين تراثنا القديم، هو عنوان هذا الزمن.
قبل نصف قرن سألتْ سهير البابلي في (المشاغبين) عادل إمام: ما هو المنطق؟ فتلعثم، ولم يعثر على إجابة. أظنها لو سألته الآن فسيؤكد أن التلوين هو المنطق.
7:44 دقيقه
TT
تلوين {مدرسة المشاغبين} لا يعني تزييفها!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة